محدش هايحبني زي مانا

مينا طوسون ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠
طول عمري مُقتنع أن محدش هايحبني زي مانا، وأني ماينفعش أتحب كدة ببلاش.. لازم أدفع تمن أو أبذل مجهود عشان أكسب الحُب ده، فا بدل الوحدة والاكتئاب خدتها من قصيرها وأبتديت أشحت قيمتي من اللي حواليا، أبتديت أستُر العُري اللي جوايا بالناس.. بنظرات إعجابهم.. بتصقيفهم.. بكلامهم الحلو عني.. بإحتياجهم ليا.. بضحكُهم علي هزاري.. بإنبهارهم بالمعلومات اللي عندي.. ومانكرش بصراحة إحساس النشوة اللي كنت بحسّه أول ما بشوف لمعان الإعجاب في عيونهم.. وكأني فُزت في معركة حربية.. معركة البحث عن قيمتي. 
 
لكن كل يوم كنت بكسب فيه معركة وبعجب الناس، كنت بحس (وبالذات وأنا لوحدي) أن في حاجة ناقصة، كان صوت الوجع اللي جوايا أعلى بكتير من صوت تصقيفهم ليا. واحساس انى قليل، كان أقوى بكتير من نجاحي إجتماعياً. 
 
ودخلت الخدمة.. ورنمت عن محبة يسوع.. وكتبت عنه.. وبشرت بيه.. بس برضو كنت لسا بشحت من اللي حواليا، كنت بشحت الحُب بس المرة دي بشياكة.. بشحت بروحانية وخشوع.. بقيت معلم في جذب الإنتباه، ومن تحت لتحت كدة كنت بستني الإعجاب والمديح (الروحي) ليا. وكان كل الناس بتصقفلي.. ما عدا يسوع. هو الوحيد اللي مكانش مبسوط بالوضع ده.. هو الوحيد اللي مرضاش يبيعلي اعجابه وحبه.. الوحيد اللي مقدرتش أدفعله تمن حُبه ليا. كُنت مُصمم أشحت منه قيمتي، وهو كان مُصمم يقنعني اني غالي ومش محتاج أشحت.
 
وفضلت علي الوضع المريض ده فترة كبيرة.. قدام الناس غني، وقدام الله عارف أني شحات بس بآوح.. لحد ما جه الفرج، وبنعمته إستجاب لصلوة قديمة كُنت قايلُّه فيها "لا يكُن في قلبي شريكاً لكَ".. وخَدني للبرية زي موسى (في عز نجاحي الروحي قدام الناس)، وقطع عني مخدراتي النفسية والروحية، ده طبعاً بعد معافرة كبيرة مني. ومع اني عارف أنه هايشبعني زي ما كنت برنم علي طول.. الا أني برضو كنت رافض فكرة البُعد عن الناس لفترة والانفراد بالله.. أو زي ماتقول كدة هي بالنسبالي كانت نظرية حلوة ومُعزية، بس عُمري ما تخيلت انها تحصلّي. 
 
وبعد مدة صغيرة من استجابته دي لقيت نفسي حرفياً لوحدي.. لقيته قصقص كل علاقاتي، وكسر كل "السنادات" اللي كنت بتعكز عليها. ومن بعد الزحمة والهيصة اللي كنت متدفي بيها، لقيتني عايش لوحدي في سجن.. بموت من جوع الحُب وقلة التقدير، بصرخ ومحدش بيسمع.. حتي الله نفسه كان ساكت. نفسي أرجع أشحت زي زمان، بس حتي الطرق والعلاقات اللي كنت بستغلها في كدة اتكسرت.. واتقفلت كل سكك الرجوع.. فعلاً زي ما الكتاب بيقول ان يسوع ساعات "يُغلق ولا أحد يفتح". 
 
وقعدت مقموص منه كام شهر ومش فاهم هو بيعمل معايا كدة ليه؟ 
واشمعنا أنا يعني اللي بيضيقها عليا؟ 
ليه لازم برية؟ وليه لازم باب ضيق؟ 
وبعدين ما الناس كلها عايشة زي الفُل وبيشحتوا من بعض عادي.. 
ليه أنا اللي صلاتي تتاخد على محمل الجَد؟ 
وبعدين هو لازم الناس كلها تمشي مرة واحدة؟ 
لازم الدنيا كلها تبوظ مع بعض؟ 
طب مفيش اي مُسكنات حتي؟ 
مفيش أي وضع وسط؟ 
 
وفضلت أهري وأنكُد في نفسي كدة شوية.. لحد ما قررت في يوم أعمل حاجة جديدة بدل الخناق معاه.
قررت ببساطة أقوله "يارب أنا شحات"، قررت أبطّل مُكابرة وعناد وأعترف أن كل محاولاتي لسرقة الحُب من الناس دي فاشلة. وأن الناس مهما حبوني مش هاخد قيمتي منهم.. قررت أعترفله بأني شحات وعامل نفسي مؤمن.. شحات وبحاول أدفع تمن قيمتي منه. 
 
ومن بعد اليوم ده والدنيا إبتدت تتفتح شوية بشوية (وأنا لسا لوحدي)، وإبتدي الرُعب من الوحدة يقِل.. وفضلت أكلمه وأحاول أسمع صوته زي ما الناس بتعمل كدة.. بس برضو مسمعتش حاجة، و واضح كدة أن المشكلة كانت في وداني أنها تقيلة شويتين، ومش متعودة على الهدوء.. وكأن الفترة الأولانية اللي سابني لوحدي فيها دي، كان بيهدي وداني وقلبي من الدوشة اللي كنت غرقان فيها السنين اللي فاتت. كان بيسحب السم من جسمي، وبيحضرني عشان أعرف أسمع صوته.
 
وكلمني بعدها لأول مرة في حياتي.. وسمعتها منه بوضوح.. قالي حل مشاكلي اللي بقالها سنين في ٣ كلمات بس.. 
قالي "أنا بحبك ببلاش". 
ويمكن أكون سمعتها كتير في وعظات أو قريتها في كُتب، بس صدقني لما هو اللي قالها بنفسه، الدنيا اتقلبت معايا.. وصدقني تاني ولا ألف وعظة ومؤتمر وخادم هايعرفوا يزرعوها جواك زي ما هو يسمعهالك بصوته الهادي وأنت لوحدك في مخدعك.
 
ومن ساعة ما قالها وأنا متشعلق فيه، ومقتنع جداً أن معنديش حد يحبني زيه.. ولما شبعت بقيت مش محتاج أبقي روحاني.. أو مثقف.. أو في كلية نضيفة.. أو مظبط مع بنت جميلة.. عشان أحس أني ليا قيمة. ومش محتاج أتقلب "أراجوز" عشان ألفت الإنتباه. أنا قيمتي فيا أني على صورته، وأنه دايماً بيحبني ببلاش من غير ما أدفع تمن.
 
ومن كتر الراحة معاه وقتها، بفتكر نفسي بعدها بكام شهر لما قالي إرجع انزل وسط الناس تاني.. فاكر قولتله "يارب أنا بقيت أخاف أتعامل مع حد غيرك، أنا أتعودت عليك وعلى جُرعة الحُب منك أنت". بس هو كان عامل حسابه.. ماسبنيش وسط الناس لوحدي، ودفاني بحضوره منين ما أروح، وبعتلي ناس شبعانين يسندوني مش شحاتين زيي زمان.
 
ودلوقتي وبعد كام سنة من الموقف ده.. ببص علي تعاملاته معايا وبنحني قدام حكمته، وبعترف قد ايه هو كان فاهم شُغله لما خلاني لوحدي، وقد ايه صلواتي بتفرق معاه. وبدل الخصام بقيت أشكره علي "الغربلة" اللي عملها في حياتي.. وعلى كل برية غربني فيها، وعلي كل تكسير لعُكاز أتسندت عليه في يوم. وبقيت أفرح بكل ضيقة بتيجي.. لأني عارف أن في مجد جاي بعدها. 
 
فا لو أنت بتعدي في وقت صعب، أو لوحدك وحاسس أن الدنيا كلها بتقفل.. عندي ليك خبر حلو.. يسوع عايز يستفرد بيك وعايز يشبعك بيه هو بس. 
 
وده مش وقت صعب صدقني.. ده بالظبط "وقت عمل للرب".