فلسفة العبث عند ألبير كامي

سامح سليمان ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

العبث ليس هو السكر و التسكع فى الطرقات كما يعتقد العامة ، فلسفة العبث جذورها قديمة جداً تعود الى التراجيديا الأغريقية _ للقراءة أنصح بكتاب بذور العبث فى التراجيديا الأغريقية للدكتورة سامية البنهاوي مرجع أكثر من هام _ ولكن اشتهرت حديثاً بواسطة الرواية والقصة والمسرح ومن أشهر أعلامها يوجين يونسكو وجورج أداموف و بشنر و الأكثر شهرة الروائي و القاص والمسرحي والصحفي الفرنسي الجزائري ألبير كامي ( 7 نوفمبر 1913 - 4 يناير 1960 ) كامي كان ثاني أصغر حائز على جائزة نوبل كما أنه أصغر من مات من كل الحائزين على جائزة نوبل .
من أعمالة:السقطة _ الغريب _ الطاعون _ العادلون _ كالبجولا _ الموت السعيد _ الإنسان المتمرد تعريف العبث : العبث (Absurde) الكلمة الفرنسية الأصل تفسر حسب قاموس لاروس بأنها اللامعقول ويرجعها إلى الأصل اللاتيني ( absurdus ) الذي يتكون من المقطعين ab بمعنى كليةً + surdus بمعنى أصم ، كما تفسر أيضا بما هو مناف للعقل .
تتلخص فلسفة العبث لدى كامي فى أعادة التوازن الى العالم بخلق معنى للحياة الإنسانية برغم العبث المسيطر على الوجود الإنساني _ بحسب رؤية تيار أو مدرسة العبث _ لذا فقد كان كامو من المؤيدين لفكرة الخلاص بالفن وضد الانتحار لأن الانتحار بحسب رؤية كامو تثبيت ودعم للعبث وسطوة الموت،ورؤية كامو الفلسفية والفنية مستقاة بدرجة كبيرة عند كامو من أسطورة سيزيف التي تتشابه كثيرا مع أسطورة برومثيوس ، وهى تتلخص فى عقوبة الألهة لمن سرق المعرفة او النار المقدسة وأعطاها للبشر فعاقبته الألهة بأن تأكل الطيور كبدة كل يوم ثم ينمو له كبد من جيد فتعود الطيور لتأكله وهكذا إلى ما لا نهاية وفى قصة أخرى يدفع حجراً إلى قمة أعلى جبل فى العالم وعندما يصل الى القمة يدفعه الحجر الى القاع من جديد ليعود لممارسة نفس الفعل من جديد .
يرى كامو أن الحياة عبثية وبلا معنى لكن على الإنسان أن يخلق لها المعنى والمعنى يكمن عند كامو فى تحقيق قيمة للوجود الإنساني بالتمرد على العبث والسعي الجاد لتفعيل الوجود الإنساني تفعيلاً حقيقياً بأن يصير المرء فاعلاً وخالقاً لذاته و هويته الفردية حتى وأن أستمرت حالة العبث واللامعنى المسيطرة على الوجود الإنساني ، فالفردية والذاتية هي لب الفلسفتين الوجودية و العبثية _ وأعتقد أن فلسفة كامو هنا تتشابه كثيراً مع مدرسة العلاج بالمعنى بأرادة المعنى للعالم الشهير فيكتور فرانكل الذى كان أسيراً فى معتقلات النازي ورأى زملائه يتخلصون مع ألامهم و عذابهم داخل المعتقل النازى بتسلق السور المكهرب للتخلص من حياتهم ولكن فرانكل أختار أن يخلق معنى ما لحياتة ساعده على التحمل والبقاء حياً ، كما أعتقد بوجود تشابة مع قصة الثلاثمائة أسبرطى الشهيرة من قد أختاروا الاستمرار فى الحرب برغم هزيمتهم المحتومة ولكن المعنى لديهم تجسد فى الصلابة واستمرارية المقاومة و رفض المذلة والإصرار على رفض كل مغريات الجيش الفارسى وقائدة وعدم الأنبطاح أمامه حتى وان كان ذلك القرار يعنى إنهاء حياتهم . 
من أقوال كامو الشهيرة : بالتمرد يولد الوعى ، لذا فالبداية هى بالتمرد ليخلق المرء ذاته ويوجد المعنى الخاص به ، التمرد على الصياغة المجتمعية للفرد وقولبته بأن يصير فرداً ضمن القطيع المتناسل كأحقر الكائنات وأقلها وعياً .
و إن اتفقنا على تصنيف العبث كمرادف ل عدم الجدية والابتعاد عن احترام الذات ،أعتقد ان العبث لا يكمن فى رد فعل ميرسو بطل رواية الغريب التي حصل بموجبها كامي على جائزة نوبل عام 1958بفارق صوت واحد مع الكاتب اليونانى العظيم نيقوس كزنتزاكس صاحب المسيح يصلب من جديد و زوربا اليونانى ، و لكن العبث يمكن فى العالم الذى تمرد عليه ميرسو ، اللامبالاة هى موقف جاد و شكل من أشكال التمرد على العالم التوتالارى المقولب فى ظاهره و باطنه ، العالم الذى يعتبر الفرد الصائب _ الطبيعى _ هو من يتخذ ردود افعال محدده تجاه الأحداث .
أن يصير المرء ذاتاً متفردة تلك هي المسألة ، ميرسو أختار أن يصنع و يصير فعلاً و ليس رد فعل اتفق المجتمع على صوابه و شرعيته ، أختار ان لا يحزن على موت أمه ، اختار أن لا يدافع عن ذاته أمام القضاء ، أختار الإعدام و لم يرضخ لإصرار المجتمع على إذعانه لأتخاذ رد الفعل المفترض و هو دفاعه عن ذاته للهروب من الحكم بإنهاء حياته .
اللامبالاة أو حتى العزلة الكاملة سلوك إيجابي و ليس سلبياً ، السلبية قد تتمثل و تتجسد بضراوة في اتخاذ ردود أفعال مفترضه و معقولة و منطقيه بحسب التصنيف المتفق عليه مجتمعياً ، الحياه يجب فى الكثير من الأحيان أن تعامل بخفه ، و بالتحرر من الأثقال التي تستنزف حيواتنا كالبعوض _ أنصح بقراءة رواية كائن لا تحمل خفته للكاتب التشيكى ميلان كونديرا و كذلك رواية حفلة التفاهة لنفس الكاتب فقد عالج تلك الفكرة ببراعة وسرد شائق وتصوير أكثر من ماتع _ و تختزل وجودنا فى الوجود البيولوجى و إشباع الغرائز الأساسية كما تحيا السوائم .
( أن يصير المرء موجوداً معناه أن يمضى نحو الاستثناء ، فليمضى القطيع إلى مصيرة وليصعد الاستثناء جبلة بمشقة وفى الصحراء دائماً عاش الصادقون : فريدريش نيتشة )

 

سامح سليمان