مجتمعاتنا وأنواع الهوس

سامح سليمان ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

س : فى رأيك ما أسباب المغالاة عند المتدينين و الملحدين ، و ما رأيك في مثقفينا ؟

أنا أعتقد أن الأزمة الحقيقية هى في الإنسان وليس في الدين أو الأيدلوجية طالما لم تكن تدعوا إلى العنف والإيذاء ، إن مجتمعنا يعانى من هوس الأستعراض و المغالاة سواء لدى المتدينيين أو الملحدين . المغالاة عند بعض المتدينين تحدث بسبب الرغبه فى خداع الأخرين و السيطرة عليهم و أستغلالهم لأسباب سياسيه و أحياناً جنسيه ، كما ان المغالاه فى أظهار التدين هى دليل على عدم الاحساس بالقيمة الذاتية و الرغبة فى الانتماء لشئ له قيمه و مكانه لدى البيئة المحيطة به ، خاصةً إذا ما كان هذا التقدير يصل إلى الهوس ، و هذا هو السائد في مجتمعاتنا نتيجة الفشل الذريع فى عدة مجالات وبشكل خاص العلم و الفن و الحضارة ، و أيضاً نتيجة أن الأغلبية الساحقة فى مجتمعاتنا الناطقة بالعربية لم يختار أحدهم ديانته ، بل أنتقلت إليه بالوراثة و ليس بعد بحث و دراسة ثم أختيار ناتج عن قناعه _المغالاة والمظهرية الشديدة أحياناً تكون بهدف إسكات أزعاج الشك. أما المغالاة في الألحاد فتنشأ فى الغالب نتيجة مراهقة فكرية و رغبه فى الشهرة وعدم بحث ودراسة حقيقية للأديان ولمختلف العلوم الإنسانية، و أيضاً المغالاة لدى بعض الملحدين تكون بمثابة إعلان كراهية و رفض لبعض موظفي المؤسسات الدينية المسترزقين من وراء التحدث فى الدين ، و رغبه فى التمرد على القيود الخانقة للفكر الديني الشعبي السائد فى مجتمعاتنا ، أو فى بعض الأحيان بسبب أنبهار ساذج بالنموذج الغربى الذى يسبِّح بحمده الكثير من مثقفينا ، بخلاف شئ هام متفشي فى مجتمعاتنا المتطرفه فى معظم توجهاتها ، و هو إذا رفضت شيء و أقتنعت بخطأه لا بد أن تنتقل الى الإيمان بنقيضه ، و لذلك نرى أن الكثير من المنتمين _ بالطبع ليس الجميع _ للتيارات التى لا تعتمد على الصبغة الدينية فى ترويج أفكارها رداً على التيارات المعتمدة على الصبغة الدينية فى كسب الأتباع لتحقيق مصالحهم الشخصيه، تحصر قضية المرأه و تقزمها ، و تنادي ليل نهار أن المرأة لن تتحرر و تحصل على حقوقها ،إلا إذا تحررت من ملابسها أولاً ، و مارست الجنس كما تشاء . !!! بعض المثقفين المنبهرين أنبهاراً أعمى عن عدم درايه عميقه بالنموذج الغربي يعتقدون أن المرأه عندما تمتلك الملابس تفقد العقل و عندما تفقد الملابس تمتلك العقل !! هذه هى قضية المرأه فى نظر أغلب مثقفينا ، و يا لها من مأساة !! و كأن كافة قضايا مجتمعاتنا المأزومه من جهل وفقر ومرض قد انتهت ولم يبقى ألا الجنس فقط ، المرأه ليست جسد فقط ، قضية المرأه أهم و أعمق من ذلك بكثير، و تحريرها هو تحرير للرجل.
و أيضاً للأسف البعض من رواد التيار النسوى و أتباعهم لا يروا فى تحرير المرأة إلا التشبه بالذكور فى الملبس و المظهر الخارجى بل و حتى طريقة التحدث و أرتكاب نفس الأخطاء و المبيقات و تحقير الرجل ونعته ليل نهار بأبشع الصفات و أسوء الخصال ، و أيضاً بعض المؤسسات النسويه _ البعض و ليس الجميع _ تركز فقط على تحرير المرأه لأسباب بعضها عنصرى و بعضها أقتصادى للحصول على المزيد من الدعم و التبرعات ، فهى لا تريد حدوث تحرير حقيقى للمجتمع فهذا يعنى نقص الدعم المالى و الشهره والشعبيه ، فى مجتمعاتنا كلما كنت مزايداً متشدداً متعصباً عنصرياً بذئ اللسان داعياً للكراهيه كلما كنت أكثر شعبيه وقدره على أجتذاب الأتباع فى مجتمع تسوده ثقافة و قيم القبيله و العصبة . و بخلاف أن المغالاه أساسها بنسبة كبيرة نفسي ، هى دليل على قناعة الطرف المغالي بأمتلاك اليقين ، و من أعتقد بامتلاكه لليقين حكم على عقله بالموت بخلاف حكمه على الطرف الأخر بعدم الحق فى الوجود ، و أزدرائه وتحقيره و هذا ما نراه لدى الكثير من المتدينين و الملحدين .
أي مشروع فكرى أو رؤية أو معتقد يحتوى على جانب سلبي و جانب إيجابي لذا أنا مع حرية الأختلاف و أحترام كل ألأديان و المعتقدات و التوجهات الفكريه من أقصى اليمين لأقصى اليسار _ ما عدا التيارات التي تنادى بإقصاء الأخر و إيذائه _ و أنادى بالسماح بالحرية الدينية و الفكرية و النقد الموضوعي و التعبير عن مختلف الأراء و التوجهات بكافة الوسائل السلمية . أن القس كوستي بندلي في كتابه أله الإلحاد المعاصر لم يخطئ حينما شكر الملحدين حتى المتطرفين منهم لما قدموه من خدمه للفكر الدينى ، لأن أنتقاداتهم قد ساعدت على أن يصبح المجتمع و الفكر الدينى فى الغرب أكثر أنفتاحاً و ليبراليه و قبول للأخر ، لأن التنافس يحفز على بذل الجهد و الأهتمام بالجودة و أن يقدم كل طرف أفضل ما لديه و الأبتعاد عن الركود و الثيوقراطيه و البيروقراطية ، فالسوفييت عندما أمتلكوا زمام الحكم فى روسيا أضطهدوا المتدينين و حطموا المؤسسات الدينيه و منعوا الأفكار الدينيه من التداول و حولوا الشيوعيه الى دوجما مقدسه غير قابله للنقد ، فكان سقوطهم سريعاً و أنهار الأتحاد السوفيتى أنهياراً مروعاً ، لكن المجتمعات الليبراليه سمحت لكل الأفكار بالتداول سواء افكار دينيه أو لا دينيه و أستفادوا من كافة العقول و التوجهات ، فلا نستطيع أن ننكر أن الأغلبيه العظمى من العلماء و الفلاسفة و المخترعين لم يكونوا متدينين بالمفهوم الشعبي السائد، بل و أيضاً منهم الملحد و اللاديني . و للأسف يجب أيضاً أن نذكر أن مثقفينا مهووسين بتقديس التراث الثقافي و تأليه بعض أعلامة _ هذا بخلاف هوس البعض منهم بأصطياد النساء وبشكل خاص صغيرات السن _ فلا يستطيع أى مفكر شاب أنتقاد طه حسين أو العقاد أو جمال حمدان أو نجيب محفوظ ، والتصريح بأنه أفضل منه ربما بالكثير ، إلا و رجمه المثقفين و أكلوه حياً إن أستطاعوا ، خاصةً أذا كان من خارج دائرة الأقارب و المحاسيب و أهل الثقه ، فالوسط الثقافي و الأعلامي  بأنواعه محكوم بالشلليه و تبادل المنافع و الأعتماد على أهل الثقه من المصفقين و لاعقى الأحذية و ليس أهل الكفاءة . بل و حتى فى المجال الفنى بأنواعه ، يجب على كل فنان الأمتناع عن المساس بالذات الكلثوميه ( أم كلثوم ) أو الحافظيه ( عبد الحليم حافظ ) بل يجب على كل فنان شاب أن يسرد الأناشيد فى مدحهم و أن لا يتحدث عنهم إلا بالتبجيل و التعظيم و الأعتراف ليل نهار بأستحالة وصوله هو أو غيره الى مكانتهم !! إن الوجوه فى مختلف المجالات لا تتغير و إن تغيرت الوجوه لا يتغير المنهج و الفكر .
حقاً كم بمثقفينا و نخبتنا و ثقافتنا الفكرية و السلوكية من مضحكات و لكنه ضحك كالبكاء .
إن اليقين المطلق جهالة و الفطرة هى التساؤل و البحث المتواصل رسالة ، و أحترام الأخر قانون ، و تحقيق أقصى جوده للحياة هو الهدف و الغاية .

 

سامح سليمان