نعمة عدم الكمال (نعمة بشريتنا)

د. برينيه براون ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

"على مدار السنوات العشر الماضية، ومن خلال عملية تحليل تبدو لانهائية لأكثر من 10 آلاف قصة شخصية، خَلُصَت دراستي المنهجية (الإكاديمية) التي أجريتها في التواصل البشري إلى أن الرجال والنساء الذين اعتنقوا نقاط ضعفهم ونقائص بشريتهم، ونمُّوا مستوى قويًا من المرونة، بدا أنهم يقدِّرون طريقة معينة للعيش أسميتها:  

"العيش بإخلاص/ بكامل القلب fully hearted".hearted".

 

 جميعنا يعاني الخزي والخوف من ألا نكون كافين. نعم، الكثيرون منا خائفون من أن يَدعوا نفوسهم الحقيقية ليراها الناس ويعرفوها (لاعتقادنا بأن أنفسنا نفسي أنا وحدي بالذات- معيبة)..

مقدار ما نعرف أنفسنا ونفهمها مهمٌ للغاية، ولكن هناك شيء ضروري أكثر (لعيش حياة بإخلاص/بكامل القلب) وهو أن نحب أنفسنا (تلك التي نعرفها)! فالعيش بإخلاص/بكامل القلب يتمحور حول تقبل هشاشتنا وضعفنا..

رحلة العيش بإخلاص/بكامل القلب طريق ضد الثقافة السائدة قليلاً. فالرغبة في قص قصصنا، والشعور بألم الآخرين، والتواصل الحقيقي بالعالم غير المتواصل، ليست شيئًا في وسعنا فعله بنصف قلوبنا..

"إن أردنا أن نحيا وأن نحب بكامل قلوبنا.. فعلينا أن نتحدث عن الأمور التي تقف بالطريق – لاسيما الخزي، والخوف، والضعف."

  

الكمالية تقود للشعور بالخزي

"الأمر الشاق بحق، والمدهش حقًا، أن تتخلى عن أن تكون كاملاً، وأن تبدأ العمل لتصير نفسك."    (آنا كويندلن)

الكمالية هي الاعتقاد بأننا إن عشنا كاملين وظهرنا كاملين وتصرفنا بمثالية، فبوسعنا أن نقلل أو نتجنب الألم أو اللوم والخزي. إنها درعٌ. الكمالية درع وزنه عشرون طنًا، نحملها ظنًا أنها ستحمينا، في حين أنها الشيء الذي يمنعنا من اللحاق بالرحلة.. الكمالية ليست السعي لتكون أفضل.. الكمالية بجوهرها تدور حول محاولة نيل الرضا والقبول.. فهي تركز على الآخرين – ما الذي سيظنونه؟

الكمالية مدمرة للنفس، ببساطة لأنه لا يوجد في الحقيقة شيء كامل..

للتغلب على الكمالية، نحتاج أن نمتلك القدرة على الاعتراف بنقطة ضعفنا أمام الخبرات العالمية للخزي والحكم واللوم؛ وأن ننمي المرونة في مواجهة الخزي؛ وأن نمارس التعاطف مع الذات. وحين نصير أكثر حبًا وتعاطفًا مع أنفسنا ونبدأ بممارسة المرونة في مواجهة الخزي، يمكننا أن نعتنق عدم اكتمالنا.

إن الاحساس العميق بالحب والانتماء حاجة ملحة لكل النساء والرجال والأطفال.. ونحن نحصد الحب حين نسمح لأقوى ما بأنفسنا وأضعفه أن يَظهر وأن يُعرَف بعمق..
الخزي واللوم وعدم الاحترام.. أمور تدمر الجذور التي ينبت من بينها الحب. فالحب ينجو فحسب من هذه الجراحات إن اعترفنا بها، وشفيناها، ورعيناها..

أما الانتماء الحق فيحدث فقط حين نقدم نفوسنا الإنسانية الحقيقية للعالم.

  

الحديث عن قصتنا بدلاً من الوقوف خارجها

يكره الخزي حين نسعى للتواصل ونقص قصتنا. فهو يكره أن يُحاط بالكلمات – ولا يمكنه أن ينجو من المشاركة. فالخزي يعشق السرية. وأخطر شيء يُفعَل بعد تجربة مخزية هو أن نخفي أو ندفن قصتنا. فحين ندفن قصتنا، يتضاعف حجم الخزي.. ن قصتي تهم، لأنني مهم."

"أحد الأسباب في ان الشعور بالخزي قويٌّ للغاية، هو قدرته على جعلنا نشعر بالوحدة. وكأننا الوحيدون، أو بشكل ما مختلفون عن أي شخص آخر. حين نسمع عن قصص تعكس تجاربنا الخاصة المخزية، يساعدنا الأمر لنعلم أننا لسنا الوحيدين.

"القصص تتطلب أصواتًا لتسردها، وآذانًا لتصغي إليها. القصص تقوم بتعزيز التواصل فقط حين يكون هناك كل من الشخص الذي يتحدث والشخص الذي يستمع.[1]"

 

ولكنا في نفس الوقت لا نُريد الصديق الذي يُشعِرنا بالخزي حين نقص قصتنا، ولا الذي يشعرنا بالشفقة، ولا الذي يخيب ظنه فينا، كذلك ولا الصديق الذي لا يتحمل الضعف حتى أنه يوبخنا أو يوبخ أبطال قصتنا، ولا ذاك الذي يرفض خطأنا وجنوننا، بالتأكيد ولا ذلك الذي ينتهز الفرصة ليعلو علينا ليرينا كم أن قصته أسوأ.. فهل نجد من هو ثابت ومستقر بعمق في جذوره حتى يذهب ويجيء معنا في أمان، فيقبلنا بقوتنا وضعفنا، فلا يحاول أن يصلحنا أو يجعلنا نشعر بشعور أفضل، بل يستمع بشجاعة تجعله يشارك ببعض نقاط ضعفه هو أيضًا؟![2]

نحن نرغب بشدة ألا نشعر بالخزي، ونحن غير راغبين بالحديث عنه. ومع هذا، فالطريقة الوحيدة لمعالجة الخزي هي بالحديث عنه..

المحادثات الصريحة عن الخزي يمكنها أن تغير الطريقة التي نعيش ونحب ونربي ونعمل ونبني العلاقات بها.

حين نقضي عمرًا نحاول المباعدة ما بين أنفسنا والأجزاء من حياتنا التي لا تلائم ما نظن أن علينا أن نكونه، فإننا نقف خارج قصتنا ونسارع السعي خلف شعورنا بجدارتنا بالاستمرار بالأداء والاتقان والإرضاء والإثبات. إنما احساسنا بالجدارة –هذه الجزئية المهمة للغاية التي تمدنا بمدخل للشعور بالحب وبالانتماء- إنما يعيش داخل قصتنا.

  

"دعونا نحتفي بعدم كمالنا؛ أي "نعمة بشريتنا"، كما احتفينا طوال عمرنا بجلدنا لذاتنا"

 

المرونة في مواجهة الخزي

الخزي هو الشعور أو التجربة شديدة الألم التي نمر بها حين نعتقد أننا معيبون، ولذا نحن غير جديرين بالحب والانتماء.

الخزي يبعد الشعور بالجدارة باقتناعنا أن امتلاك قصتنا سيؤدي إلى أن يقلل الناس من نظرتهم لنا. الخزي مداره الخوف، فنحن نخشى أن الناس لن يعجبوا بنا إن علموا حقيقة من نكون، ومن أين نأتي، وما نؤمن به، وكم نعاني.

ولكن تذكر، أن "قصتي تهم، لأنني مهم."

إذًا ليس علينا أن نختبر الخزي ليشلنا عن الحراك؛ فالخوف من أن يرانا الآخرون غير جديرين كافٍ ليجبرنا على كتم قصصنا.

يحتاج الخزي إلى أمور ثلاثة ليخرج عن السيطرة في حياتنا: السرية، والصمت، وإصدار الأحكام. حين يقع شيء مخزٍ ونبقيه مختفيًا، فإنه يتفاقم وينمو، ويستغرقنا. نحتاج إلى مشاركة تجربتنا. فالخزي يحدث بين الناس، ويُشفى بين الناس. إن وجدنا شخصًا كسب حق سماع قصتنا، فإننا نحتاج لقصها. يخسر الخزي قوته حين نتحدث عنه. بهذه الطريقة، نحتاج لجمع شتات قصتنا حتى نتخلى عن الخزي، ونحتاج إلى تنمية المرونة بمواجهة الخزي لتطوير قصتنا.

 

إن أردت أن تبدأ بمرونتك في مواجهة الخزي والمطالبة بقصتك، فابدأ بهذه الأسئلة. فاكتشاف أجوبة هذه الأسئلة يمكن أن يُغير حياتك:

  • من تصير عليه حين تُحاصر بزاوية الشعور بالخزي تلك؟
  • كيف تحمي نفسك؟
  • من تتصل به لتتخطى الأمور اللئيمة المؤذية أو نوبات الاختباء أو محاولات إرضاء الناس؟
  • ما أشجع أمر يمكنك فعله لنفسك حين تشعر بالضآلة والجرح؟

 للمزيد عن المرونة مقابل الخزي

 

 إن قصصنا ليست معنية لأي أحد. فسماعها امتياز، وعلينا دومًا أن نسأل أنفسنا هذا قبل أن نشاركها: "من الذي فاز بحق سماع قصتي؟" إن كان لدينا شخص أو اثنان في حياتنا ممن بوسعهم الجلوس معنا وإفساح مجال لقصص خزينا، وحبنا لقوتنا ومعاناتنا، فإننا محظوظون للغاية. إن كان لدينا صديق، أو مجموعة صغيرة من الأصدقاء، أو عائلة تتقبل بشريتنا. ونقاط ضعفنا، وقوتنا، وتملؤنا بشعور الانتماء، فإننا محظوظون للغاية.

إننا لا نحتاج إلى الحب والانتماء والتقاط القصص من كل شخص في حياتنا، لكننا نحتاج إلى هذا من شخص واحد على الأقل. إن كنا نحظى بهذا الشخص الوحيد أو تلك المجموعة الصغيرة من المقربين، فأفضل طريقة هي الإقرار بجدارتنا. إن كنا نعمل نحو علاقة مبنية على الحب والانتماء والحكاية، فعلينا أن نبدأ بذات الموضع: أنا جدير.

"إلى أن يكون في وسعنا أن نتلقى بقلب مفتوح، فإننا لن نعطي حقًا بقلب مفتوح. وحين نلصق أحكامًا بتلقي المساعدة، فإننا بعلم أو بدون علم نلصق الحكم بتقديم المساعدة."

  

أظهرت نتائج بحثي هذا أن من أكثر العوامل شيوعًا بين الأشخاص المرنين، والذين يحيون بإخلاص/بكامل القلب:

  • وجود مساعدة اجتماعية متاحة لهم، وترجيحهم لطلب العون.
  • متواصلون مع الآخرين، على سبيل المثال العائلة أو الأصدقاء
  • الاعتقاد بأن في وسعهم فعل شيء يساعدهم على إدارة مشاعرهم وعلى أن يتكيفوا مع الوضع.
  • يتعلمون الخوض عبر مناطق المشاعر الصعبة وعدم الراحة، بدلاً من السلوكيات المخدرة لها (حين نصيب ظلامنا/جانبنا المظلم بالخدر فإننا نخدر نورنا/جانبنا المضيء كذلك).
  • لديهم روحانية وإيمان بالنفس/كفاية أنفسنا للحياة، وتفكير مُفعم بالأمل (إن مشاعر اليأس والخوف واللوم والضعف وانعدام التواصل/الانفصال، تخرّب المرونة. والخبرة الوحيدة التي تبدو الكافية لمكافحة قائمة كهذه هي الإيمان بأننا جميعًا في هذا معًا، وأن شيئًا أعظم منا له القدرة على جلب الحب والتعاطف إلى حياتنا. الروحانية تجعلنا نشعر أننا متصلون، وغير وحيدين.)
  • ممارسة الشكر.

 

المصداقية: اختيار أن نكون غير كاملين

اختيار المصداقية يعني استجماع الشجاعة لأن نكون غير كاملين، ونسمح لأنفسنا بأن نكون ضعفاء.

علينا أن نحترم معاناتنا بمشاركتها مع شخص اكتسب عن استحقاق حق سماعها.. حيث نشعر بأننا منكشفين كليًّا ومحبوبين ومقبولين بالكامل في ذات الوقت. ثق بي حين أقول لك أن الخزي والخوف لا يحتملان هذا النوع من التواصل القوي المتبادل بين الناس. (فهل يمكننا أن نكون نحن كذلك؟!)

إني أستطيع أن أسمي الشجاعة والتعاطف compassion والتواصل "نِعَّم عدم الكمال". وحين نكون راغبين في أن نكون بشريين وحقيقيين، فإن هذه النِعَّم تستمر بالعطاء.

كلمة "الشجاعة" في الأصل تعني "أن تفصح عما يدور ببالك بأن تقول كل ما بقلبك".. إني أرى الشجاعة في نفسي حين أكون راغبة في المخاطرة بأن أكون ضعيفة ومحبطة. فلسنوات عديدة كنت أتظاهر بعدم الاهتمام حين يُطلب مني إلقاء محاضرة أو حديث تليفزيوني، رغم شغفي الداخلي وصلاتي القلبية لأن أحصل على شيء كهذا، حتى تحليت بالشجاعة لأن أكون حقيقية وواقعية وأقول "إني متحمسة للغاية، وأتمنى أن يحدث أمرٌ كهذا،" وأن أتصل بصديقٌ داعم لي لإخبره باحباطي حين لا يتم هذا الاتفاق.

حين حاورت النساء والرجال الذين انخرطوا بالعالم من موضع المصداقية والجدارة، أدركت أنه كان لديهم الكثير من الأمور المشتركة بشأن الكمالية. أولاً، تحدثوا عن نقائصهم بطريقة رقيقة وصريحة دون خوف أو خزي. ثانيًا، كانوا بطيئين في الحكم على أنفسهم وعلى الآخرين. وقد بدا أنهم يعملون من موقع "جميعنا نبذل قصارى جهدنا". شجاعتهم وتعاطفهم وتواصلهم بدت متجذرة في الطريقة التي يتعاملون بها مع أنفسهم.

للمزيد  عن شجاعة أن تكون ضعيف ومنكشف

 

الرفق بالنفس

"لحظة من التعاطف مع الذات يمكن أن تغير يومك. وسلسلة من مثل هذه اللحظة يمكن أن يغير مجرى حياتك."

(كريستوفر جيرمر)

وفقًا لكرستين نيف، للتعاطف مع الذات ثلاث عناصر:

  • الرفق بالنفس: أن نكون دافئين ومتفهمين نحو أنفسنا حين نعاني من الفشل، بدلاً من أن نكون متجاهلين لآلامنا أو أن نجلد أنفسنا بسياط النقد للذات.
  • الإنسانية المشتركة: تقر الإنسانية المشتركة بأن المعاناة والشعور بعدم الملاءمة الشخصية هي أجزاء من التجربة الإنسانية المشتركة – شيء سنمر به بدلاً من أن يكون شيئًا يحدث "لي" وحدي.
  • الوعي: هو اعتناق نظرة متوازنة نحو المشاعر السلبية، فلا نقوم بكبتها، كما لا نقوم بالمبالغة في تقديرها. لا يمكننا أن نتجاهل ألمنا، وأن نشعر بالتعاطف نحوه بذات الوقت. كذلك يتطلب الوعي ألا نبالغ في تعريف وتقدير الأفكار والمشاعر التي نمر بها، كي لا نعلق بها وننجرف بتيار السلبية وإصدار الأحكام.

 

أغلبنا يحاول أن يعيش حياة صادقة. في أعماقنا، نرغب في أن نخلع قناع اللعبة، وأن نكون حقيقيين وغير كاملين. هناك شطر من أغنية ليونارد كوهين Anthem يعمل كتذكير لي حين أكون بموضع أحاول فيه التحكم في كل شيء وجعله مثاليًا. هذا الشطر يقول "هناك شرخ في كل شيء. وهذا ما يجعل الضوء يدخل". الكثيرون منا يركضون لرأب الصدوع، محاولين جعل كل شيء يبدو صحيحًا فحسب. هذا الشطر ساعدني أتذكر جمال الصدوع.. إنه يذكرني بأن نقائصنا ليست أوجه قصور؛ ولكنها مذكرات بأننا جميعًا منغمسون في هذا. غير كاملين، لكننا معًا.

 

تحديات: نمي التالي للعيش بكامل القلب

  • الثقة في بدهيتنا/غريزتنا/حدسنا:

البديهة ليست مستقلة عن أي عملية تفكير منطقي. في الواقع، يعتقد علماء النفس أن البديهة هي عملية ربط لا واعٍ فائق السرعة- كلغز عقليّ. في البديهة يقوم المخ بأخذ الملاحظة ثم يفحص ملفاته ويوصلها بالذكريات الحالية والمعرفة والخبرات، وما أن يضع معًا سلسلة من التوصيلات فإننا نحصل على "غريزة/بديهة" لما لاحظناه. أحيانًا بديهتنا أو غريزتنا تخبرنا بما نحتاج إلى معرفته في غياب اليقين، ومرات أخرى توجهنا نحو إيجاد الحقائق/الوقائع والتفكير المنطقي (حين لا تتوفر المعلومات الكافية بالمخ).

  • التخلي عن المقارنة وتنمية الإبداع:

التخلي عن المقارنة ليس بندًا يقائمة المهام. إنه أمر يتطلب الوعي المستمر. فما أيسر أن نشيح بأعيينا عن مسارنا لننظر فيما يفعله الآخرون، وما إذا كانوا متقدمين عنا أو خلفنا. وأما الإبداعية، وهي التعبير عن أصالتنا، تساعدنا على البقاء واعين بأن ما نجلبه للعالم أصيل كليًا ولا يمكن مقارنته. إن كان الإبداع يُرى على أنه رفاهية أو شيء نفعله حين يكون عندنا وقت فراغ، فلن نقوم بتنميته أبدًا. حين أجعل الإبداع ضرورة يبدو كل شيء بحياتي أفضل. التحق بفصل فني تدريبي، خاطر بالشعور بالضعف. أظن أنه من المهم للغاية أن نجد وأن نكون جزءًا من مجتمع من أولئك الأشخاص ذوي هذه الروح (الإبداعية) ممن يشاركونك معتقداتك عن الابداع.

  • تنمية اللعب والراحة (قضاء وقت للقيام بأنشطة بلا هدف):

اللعب غير المنظّم/بلا هدف (اللهو، التسكع، القيام بأمور مرحة) مكوّن غاية في الأهمية والضرورة للعيش بكامل القلب، على عكس ثقافة الإجهاد كرمز للمكانة والانتاجية كرمز لجدارة الذات، التي تجلب الخزي، والتي ينبغي التخلي عنها!

بحسب الطبيب النفسي د. ستيوارت براون، مؤسس المعهد القوي (الأمريكي) للعب، فاللعب –بهذا المفهوم "اللهو"- يشكل المخ ويفتح المخيلة ويقوم بتنشيط النفس/الروح، كما يساعدنا على تنمية العطف والتنقل بين مجموعات اجتماعية معقدة. اللعب والراحة (مثلما في النوع) ضرورتان لصحتنا وأدائنا، فنقيض اللعب، كما يقول د. براون، هو الاكتئاب وليس العمل. اللعب يساعدنا على التعامل مع الصعوبات، وهو جزء أساسي من العملية الإبداعية. كذلك يقدم اللعب حسًا بالسعة (الاتساع)، ويعزز من احترافية حرفتنا، وهو الطريق الوحيد لإيجاد المتعة الدائمة والرضا بعملنا.

  • تنمية الهدوء والسكون:

هذا مرتبط تمامًا بنمط التأمل، وما لم نعتاد التأمل فالسكون محفز للقلق. السكون لا يدور حول التركيز على العدم (الفراغ/اللاشيء)؛ بل يدور حول خلق وضوح. إنه فتح مساحة شعورية خالية من الزحام، والسماح لأنفسنا بأن نشعر بمشاعرنا ونفكر بأنفسنا ونحلم أحلامنا ونتساءل. خذ نفس عميق أو اثنين، أو عدّ من 1 إلى 10 قبل التجاوب مع أي شيء. جرب ممارسة المشي الهاديء بانتظام.

  • تنمية العمل ذي المعنى (التخلي عن الشك في النفس، ولغة "يُفترَض أن")

لجميعنا هبات ومواهب فريدة، مثلها مثل المعنى لحياتنا. وحين ننمي هذه الهبات ونشاركها مع العالم نخلق بحياتنا حسًا بالمعنى والهدف. حين لا نستخدم مواهبنا لحصد العمل ذي المعنى، فإننا نعاني. نشعر بأننا منعزلون ومثقلون بمشاعر الخواء والضيق والحنق والخزي والإحباط والخوف وحتى الحزن. إن مشاركة هباتنا ومواهبنا مع العالم هي أقوى مصدر للتواصل مع الله.
الشك بالنفس يقوض عملية إيجاد هباتنا ومواهبنا ومشاركتها مع العالم. إن كان تطوير ومشاركة هباتنا هو أسلوب توقيرنا للروح، فالانصياع للشك بالنفس والمفروضات هو بمثابة ترك مخاوفنا تهدم إيماننا. اكتب قائمة المفروضات التي تخيفك، لا تتجاهلها، ولكن قل لها "أتفهم أنني خائف من هذا، لكنني سأفعله على أيّ حال." لاتتردد من أن تعرّف نفسك بشمول كل ما تفعله في العالم، وليس فقط مهنتك الأساسية مصدر معيشتك، ولا تهتم بما يقول العالم أنه يُفتَرض أن تقدم نفسك به. يقول هوارد ثورمان: "لا تسأل عما يحتاجه العالم. اسأل عن الذي يجعلك تدب بالحياة، واسع من أجله. لأن ما يحتاجه العالم هو أناس قد صاروا أحياء." والآن ما هو الشيء الملهم الإبداعي الذي يجلب المعنى إليك؟

  • تنمية الضحك والغناء والرقص (التخلي عن أن تكون رائعًا و"مسيطرًا دائمًا")

"ارقص كما لو أن لا أحد يراك. غنِّ كما لو أنه ليس هناك من يسمع. حب كأنك لم تتأذَّ من قبل قط، وعش وكأنك في نعيم." (مارك توين). هناك قاسم جِذري مشترك بين الضحك والغناء والرقص، حيث تخلق ممارستهم تواصلاً شعوريًا وروحانيًا.

إن المرونة في مواجهة الخزي تتطلب الضحك. فالضحك صورة روحية من التواصل؛ حيث دون كلمات بوسعنا أن نقول لبعضنا البعض: "أنا معك. أفهمك". والموسيقى، سواء أكانت ترنيمة، أم نشيد وطني، أم أغنية، أم مجرد موسيقى فإنها تصل إلينا وتقدم التواصل الذي لا يسعنا أن نعيش بدونه.

بالنسبة للكثيرين منا، لا توجد صورة للتعبير عن النفس تشعرنا بواقعنا/بالضعف أكثر من الرقص. الرقص يواجهنا بأننا لسنا أفضل من أن نرقص (الرقص يضاد الكبرياء)؛ فالأطفال يظلوا يرقصون بتلقائية وسرور حتى نأتي لنعلمهم أنهم يحتاجون للاهتمام بمظهرهم وبكيف يبدون وبما يظنه الآخرون. لذلك هناك الكثير من الأمور المثيرة للخزي تتعلق بالضحك والغناء والرقص، وعلى رأس القائمة الخوف من أن يرانا الناس خرقى (حمقى)، بلهاء (أغبياء/عُبط)، سخفاء، غير رائعين/غير ناضجين، فاقدي زمام الأمور (غير متزنين). إنها قائمة مخيفة للغاية حتى أنها تجعل التعبير عن النفس يتراجع للمقعد الخلفي لصالح الحساسية الذاتية وحماية النفس: "ماذا سيقول الناس؟" – "تعقّل/ي، الجميع يشاهدونك!" – "امسك/ي نفسك، شكلك يبدو سخيفًا". لكننا نخون أنفسنا حين نتخلى عن تعبيراتنا عن أنفسنا، تعبيراتنا الشغوفة والخرقاء النابعة من القلب والروح. وحين نخون أنفسنا باستمرار، يمكننا أن نتوقع أن نفعل المثل بمن نحبهم.

"إن الحياة أثمن من أن نقضيها بالتظاهر بأننا فائقو الروعة وأننا مسيطرون على الأمور كليًّا. تجرأ على أن تكون أبله.. بالنسبة لي، فمخاطرة فقدان نفسي بدت أشد بأسًا بكثير من المخاطرة بترك الناس يرون ذاتي الحقيقية."

 

"إنها دعوة للانضمام إلى ثورة العيش بكامل القلب. حركة صغيرة هادئة تأسيسية، تبدأ بكل منا يقول "قصتي تهم، لأنني مهم"، حركة بوسعنا نقلها للشوارع من خلال حياتنا بما بها من لخبطة وجراح، والمليئة بالنعمة والبهجة في ذات الوقت. إنها حركة وقودها الحرية، تنبع حين نتوقف عن التظاهر بأن كل شيء على ما يُرام حين لا يكون كذلك. إنها دعوة تنهض بداخلنا حين نجد الشجاعة للاحتفاء بتلك اللحظات الواقعية الأليمة والممتعة رغم أننا قد أقنعنا أنفسنا بأن الاحتفال بها لهو دعوة كارثية."

"قد تظن أن لفظة "ثورة" درامية بعض الشيء، لكن اختيار المصداقية والجدارة، بهذا العالم، هو فعل جبهة مقاومة حقيقية، واختيار أن نعيش وأن نحب بكامل قلوبنا هو عمل من أعمال العصيان التي ستربك وتُغضب وتُرعب الكثيرين – ومن بينهم نفسك. في لحظة ستدعو أن يتوقف التغيير، وفي اللحظة التالية ستدعو كي لا ينتهي أبدًا. سوف تتساءل أيضًا كيف يمكنك أن تشعر بشجاعة عارمة وبخوف كاسح في ذات الوقت! على الأقل هذا ما أشعر به معظم الوقت؛ أني شجاعة وخائفة ومليئة بالحياة جدًا، جدًا."

"على مدار السنوات العشر الماضية، ومن خلال عملية تحليل تبدو لانهائية لأكثر من 10 آلاف قصة شخصية، خَلُصَت دراستي المنهجية التي أجريتها في التواصل البشري إلى أن الرجال والنساء الذين اعتنقوا نقاط ضعفهم ونقائص بشريتهم، ونمُّوا مستوى قويًا من المرونة بدا أنهم يقدِّرون طريقة معينة للعيش أسميتها "العيش بإخلاص/بكامل القلب".. إن كنت مهتمُا بالنظرية والمنهجية التي اتبعتها، فزر موقعي لروابط المقالات الأكاديمية عن "المرونة في مواجهة الخزي، ونظرية العيش بإخلاص/بكامل القلب" (www.brenebrown.com).

"دعونا نحتفي بعدم كمالنا؛ أي "نعمة بشريتنا"، كما احتفينا طوال عمرنا بجلدنا لذاتنا"

 

 

د. برينيه براون

متفرقات من كتابها الثوري "نعمة عدم الكمال"

 

 

 

 

[1]  من كتاب "كنت أظن أنني وحدي في هذا"، لنفس الكاتبة.

[2]  في كتاب آخر لها بعنوان "الجرأة بعظمة"، أيضًا تحذر الكاتبة من وضع معاكس متطرف قد نستخدمه كآلية حماية دفاعية تسميه "الضوء الغامر"، حيث نفرط في المشاركة مع أشخاص جُدد علينا: "لقد عرفنا بعضنا فقط لبضعة أسابيع، ولكني أرغب في أن أشارك بكل شيء، وسنكون الآن أصدقاء حميمين إلى الأبد."

تقول الكاتبة: "لسوء الحظ، بالنسبة لجميع من قام بذلك منا (وأشمل نفسي ضمن هذه المجموعة)، تكون النتيجة عادة عكس ما كنا نتوقعه؛ فالناس يتراجعون وينغلقون على أنفسهم، مما يزيد خزينا وفقداننا للتواصل.. فالتواصل يعني مشاركة قصتنا مع أناس أنشأنا معهم علاقة تستطيع حمل ثقل قصصنا.

"عندما نشارك الضعف –خاصة قصص الخزي- مع شخص لا يوجد بيننا وبينه تواصل، عادة ما تجفل (تنتفض) ردة فعله العاطفية (وأحيانًا الجسمانية)، وكأننا سلطنا ضوءًا غامرًا على أعينهم. وبدلاً من مشاركة قصصنا كسلسلة متتابعة من الأنوار الناعمة، فإن ضعفنا يغشي أبصارهم، فيصعب عليهم ولا يمكنهم تحمله.. ومن ثم نستخدم نحن هذه النتيجة كمبرر لأننا لن نحصل أبدًا على الحميمية التي نتوق إليها، ونعتقد بأن "الضعف هراء، فلا يستحق العناء"، وما لا ندركه هو أن استخدام الضعف ليس مثل الشعور بالضعف، بل على النقيض، إنه درع وقائي ضد الشعور بالضعف."