تعلم أسلوب «لا شيء إلا …»

د. كريستوف أندريه ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

تعلم أسلوب «لا شيء إلا …»

حاجة واحدة في الوقت الواحد

لنُحرِّر أفعالنا، ونُكثِّفها في نفس الوقت؛ لكي تكون «لا شيء إلا» ما هي عليه. علينا أن نأكل فقط (دون أن نقرأ، أو أن نستمع إلى الراديو في نفس الوقت)، وأن نسير فقط (دون أن نتحدَّث بالهاتف، أو أن نقوم بالتفكير واستباق ما سنقوم به لاحقًا)، وأن نستمع إلى الآخرين فقط (دون أن نُحضِّر أجوبَتنا، أو أن نُطلِق أحكامًا على ما يُقال لنا). ورغم البساطة الظاهرية لهذا، فإنه صعب المَنال بشكلٍ لا يوصف. فقد اعتدْنا على القيام بعدَّة أشياء في نفس الوقت. إننا في الحياة اليومية اعتدْنا أن نأكل ونحن نقرأ، أن نسير ونحن نُهاتِف الآخرين. وفي ذهننا يحدُث الأمر ذاته؛ فنقوم بشيءٍ ونحن نُفكِّر بشيءٍ آخر (نأخذ حمَّامنا في الصباح ونحن نُفكِّر بيوم عملنا الذي ينتظر). ومن ثَم، نقوم بعمل كلِّ شيء في حالةٍ من الغياب الكامل، بدلًا من الوعي الكامل.

يُوصِي الوعي الكامل بالتبنِّي السليم والبسيط لأفعالنا، ليس بشكلٍ دائم ولكن بشكل مُنتظِم. إنه يدعونا مثلًا إلى تناوُل وجبة في الأسبوع في حالة وعي كامل (بصمت، دون أن نقرأ، وبلا راديو أو أحاديث)، أو الممارسة المُتكرِّرة للمشي في وعي كامل؛ بهدوء، ببطء، ونحن نشعُر بجسدنا وهو يسير، ونتلقَّى كلَّ ما يُحيط بنا، في بحر من الأحاسيس التي تعتمِر في دواخلنا. علينا أن نسير من أجل السير، دون غضب، دون استعجال. علينا أن نقوم بغسل أواني الطبخ ورمْي الأوساخ في حاوية القمامة، ونحن في حالة وعي كامل … إلخ.

فوائد أن نكون حاضرين أثناء الفعل

لماذا نقوم بكل هذه الجهود؟ لماذا لا نقبل في النهاية أن نعيش حياتَين في نفس الوقت، بأن نُنجِز شيئَين في كل لحظة؟ لأننا في الحقيقة، حين نسعى للعيش مرَّتَين، نُخاطِر بأن نعيش مرتَين أقل لأنهما ستخلقان ضغطًا مُضاعَفًا، وحزنًا مُضاعَفًا، وغضبًا مُضاعَفًا، وفراغًا مُضاعَفًا.

من المهم النجاة من «جنون إنهاء العمل». وحين نقوم بنشاطٍ ما يجِب ألا يكون تركيزنا على «الفعل» فقط، ولكن أن نكون بحالة «حضور» أثناء العمل. إن الحضور أثناء الفعل يزيد إحساسَنا بكوننا بشرًا، بأننا موجودون في هذا العالم، ويُبعِد عنا هذه الأفعال التلقائية التي ننسى سريعًا أننا قُمنا بإنجازها. إنه يُساعِدنا أيضًا على الاقتراب أكثر من جوهر ما نقوم به. أن نكون حاضرين مثلًا أثناء تناوُل وجبتِنا يُساعِدنا على تذوُّقها بشكلٍ أفضل. والحضور أثناء الاستماع يُساعِدنا على الإصغاء فعلًا إلى ما يقوله هذا الشخص الذي يُحدِّثنا، فلا نقوم بنفس الوقت بالحكم على ما يقوله أو التظاهر بالاستماع ونحن في الحقيقة في صدد تحضير ردودنا.

 

من كتاب "تأمل يومًا بعد يوم"
د. كريستوف أندريه