المرونة في مقابل الخزي

د. برينيه براون ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

الخزي

الخزي هو الشعور المؤلم جدًا، أو تجربة الاعتقاد بأننا معيبون، ومن ثم غير جديرين بالحب والانتماء.. والخزي يتلف الجزء الموجود فينا والذي يعتقد أننا نستطيع التغير والقيام بما هو أفضل.

"على خلاف الذنب، يتمحور الشعور بالخزي حول "من نكون" (أنا سيءُ، فاسد،..)، في حين أن الذنب يتمحور حول سلوكياتنا (فعلتُ شيئًا سيئًا، خاطئًا،..).

"وخطر القول لأنفسنا أننا سيئون، فاسدون،.. هو أننا في النهاية نبدأ في الاعتقاد بذلك، ونصبح كذلك. الإنسان الذي يؤمن بأنه "ليس جيدًا" من المرجح أنه سيستمر في السوء، والفساد،.. ويفي بذلك التصنيف أكثر من الشخص الذي فقط يشعر بالذنب."[1]

نحن مجبولون (مكونين بالفطرة) نفسيًا وعاطفيًا وإدراكيًا وروحيًا على التواصل/الوصل والحب والانتماء. إن التواصل، بالإضافة إلى الحب والانتماء (كتعبيران عن الوصل) هو السبب وراء وجودنا، وهو ما يعطي مغزى ومعنى لحياتنا. الخزي هو خشية الانفصال (فَقد/انقطاع هذا التواصل/الوصل)، إنه الخوف من أن شيئًا قد قمنا به أو أخفقنا في القيام به، أو مثلاً أعلى لم نرقَ إليه، أو هدفًا لم نحققه يجعلنا غير جديرين بالتواصل/الوصل..

"ولكنّ لا يمكننا مشاركة أنفسنا مع الآخرين عندما نرى أنفسنا معيبين وغير جديرين بالتواصل معنا. فمن المستحيل أن نكون حقيقيين (أصلاء[2]) عندما نشعر بالخزي ممن نكون، أو مما نؤمن به. وعندما نضحي بالأصالة في محاولة تدبر الكيفية التي يرانا بها الآخرون، فغالبًا ما نعلِق في دائرة خطِرة وموهنة؛ فيها يولِّد الخزي الخزي. فالخزي، أو الخوف من الشعور بالخزي، يبعدنا عن ذاتنا الأصيلة، فنخبر الناس بما يرغبون في سماعه، لا نتكلم بصراحة حينما ينبغي علينا ذلك. وفي المقابل نشعر بالخزي لكوننا غير صادقين!" [1]

مرة أخرى، إن التواصل، هو السبب وراء وجودنا، وهو ما يعطي مغزى ومعنى لحياتنا. والخزي هو خشية الانفصال (فَقد/انقطاع هذا التواصل/الوصل).

"إذا كان الشعور بالتواصل/الوصل هو الإحساس بالتقدير، والقبول، والاستحقاق والتأكيد، إذًا فالاحساس بالانفصال (فَقد/انقطاع هذا التواصل/الوصل) هو الاحساس بالنقص، والنبذ، والتضاؤل وعدم الاستحقاق.

"وهذا الانفصال، يمكنه أن يصبح أكثر خطورة حين يتحول إلى شعور بالعزلة، أي الإحساس بكون المرء ممنوعًا من إمكانية التواصل البشري، والعجز عن تغيير ذلك الوضع.. هذه العزلة النفسية يمكن أن تؤدي إلى القنوط (فقدان الأمل) واليأس. وسيفعل الناس تقريبًا أي شيء للهروب من ذلك المزيج من العزلة الكريهة والعجز.. حتى تلك الأشياء التي تتعارض مع من نرغب في أن نكونه!"[1]

ولكي نكون مترابطين ومتواصلين علينا أن نكون ضعفاء.. فالتواصل يعني مشاركة قصتنا مع أناس أنشأنا معهم علاقة تستطيع حمل ثقل قصصنا المؤلمة.. ولكي نكون ضعفاء فإننا نحتاج إلى اكتساب مرونة الخزي. "مرونة الخزي شرطًا أساسيًا للضعف".

 

عناصر المرونة في مقابل الخزي

أجل، الخزي سيئ جدًا. فما إذن يمكن أن نفعله حياله؟ الإجابة هي "مرونة الخزي". لاحظ أن مقاومة الخزي ليست ممكنة. طالما أننا نهتم بالتواصل، فإن خشية الانفصال/ فقد الوصل دومًا ما ستكون قوة فعالة في حياتنا، ودومًا ما سيكون الألم الناتج عن الخزي حقيقيًّا. ولكن إليك الأخبار الجيدة. في جميع دراساتي، اكتشفت أن الرجال والنساء الذين لديهم مستويات مرتفعة من مرونة الخزي يشتركون في أربعة أشياء، أطلق عليها عناصر مرونة الخزي، وأعني بـ"مرونة الخزي" القدرة على ممارسة الأصالة عندما نواجه الخزي، والنجاح في خوض التجربة بدون التضحية بقيمنا، والوصول إلى الجانب الآخر من تجربة الخزي بقدر من الشجاعة والرفق والتواصل أكبر مما قد خضناه من ذي قبل. مرونة الخزي تتعلق بالانتقال من الخزي إلى التعاطف، والذي هو الترياق الحقيقي للخزي. فإذا استطعنا مشاركة روايتنا مع شخص ما يستجيب بتعاطف وفهم، فلن يستطيع الخزي البقاء على قيد الحياة.

 

وإليك العناصر الأربعة لمرونة الخزي، لا تحدث الخطوات دومًا بهذا الترتيب، ولكنها دومًا ما تقودنا في النهاية إلى التعاطف والتعافي:

  1. التعرف على الخزي وفهم مثيراته. هل يمكنك التعرف (حتى بشكل جسماني) على الوقت الذي تكون فيه في قبضة الخزي، حيث تشعر بمرورك به وتكتشف ماهية الرسائل والتوقعات التي أثارت الشعور به؟

قِر بقصتك وبما يحدث معك! لا تدفنها أو تدعها تتفاقم أو تجعلها تصير تعريفًا لمن أنت/لشخصيتك. بالنسبة لي، غالبًا ما أردد هذا بصوت مرتفع: "إذا أقررت بهذه الحكاية سيتسنى ليّ كتابة النهاية، إذا أقريت بهذه بالحكاية سيتسنى ليّ كتابة النهاية". عندما نواري الحكاية، فإننا نظل للأبد موضوعها. أما إذا أقررنا بها، فإننا نحصل على فرصة لنحكي النهاية. كما يقول كارل يونج: "أنا لست ما حدث لي. أنا ما أختار أن أكون".

  1. ممارسة الوعي النقدي. هل يمكنك التحقق من واقعية الرسائل، والتوقعات التي تقود خزيك؟ هل هي واقعية؟ هل يمكن الوصول إليها؟ هل هي ما تريد أن تصبح عليه، أو ما تعتقد أن الآخرين يحتاجون إليه/يريدونه منك؟

دائمًا ما أتحدث إلى نفسي بالأسلوب الذي سأتحدث به إلى شخص أحبه حقًا، والذي أحاول مواساته في خضم أزمة ما: "أنت بخير. أنت إنسان، إننا جميعا نرتكب الأخطاء. أنا أقف بظهرك." فنحن، أثناء هجوم الخزي، عادة ما نتحدث إلى أنفسنا بأساليب لن نتحدث بها مطلقًا إلى أشخاص نحبهم ونحترمهم. فلنضف إذن الرفق بالذات بجانب التعاطف مع الآخرين.

  1. التواصل مع من حولك. نحن لا نستطيع تجربة التعاطف ما لم نكن في تواصل مع آخرين. فهل تمتلك روايتك/قصتك، وتشاركها؟

التعاطف هو تواصل، إنه سلم للخروج من حفرة الخزي. التعاطف لا يتطلب أن نمتلك نفس التجارب تمامًا كالشخص الذي يشارك حكايته معنا. التعاطف هو التواصل مع العاطفة التي يمر بها شخص ما، وليس الحدث أو الظرف. لقد تبدد الخزي في الدقيقة التي أدركت فيها أنني لست بمفردي، في الدقيقة التي أدركت فيها إن تجربتي كانت طبيعة إنسانية. التعاطف هو شيء غريب وقوي. ليس هناك سيناريو محدد. ليست هناك طريقة صحيحة أو طريقة خاطئة لفعل ذلك. إنه ببساطة إنصات، واستيعاب للمشاعر، والامتناع عن إصدار الأحكام، والتواصل عاطفيًّا، ونقل تلك الرسالة شديدة القدرة على المداواة: "أنت لست بمفردك".

"عندما نحاول التواصل مع آخرين ونشارك قصصنا، فإننا نزيد من قدر طاقتنا وإمكانيتنا على إحداث تغيير. بالنسبة لمعظمنا. يسفر التواصل مع آخـريـن عـن تغيير فردي هائل، ويلهـم البعض بالاستمرار في المشاركة في تغيير جماعي."[1]

 

  1. التحدث عن الخزي. هل تتحدث عن مشاعرك وتطلب ما تحتاج إليه عندما تشعر بالخزي؟

كن شجاعًا وتواصل! أجل، في العادة أنا أريد الاختباء، ولكن الطريق إلى محاربة الخزي واحترام شخصنا يكمن في مشاركة تجربتنا مع شخص قد اكتسب حق استماعها، شخص يحبنا، ليس بغض النظر عن مواطن ضعفنا، ولكن بسببها.

"لا شيء أكثر إحباطًا، وفي بعض الأحيان إثارة للخوف، من الشعور بالألم وعدم القدرة على وصفه، أو البوح به لشخص ما. والخزي نوع من الألم يعصى على التعريف. وعندما لا نستطيع أن نجد الكلمات الصحيحة لوصف تجاربنا المؤلمة للآخرين، غالبا ما نشعر بالوحدة والخوف. وقد يشعر بعضنا حتى بالغضب أو السخط وينفِّس عنه. ولكن في النهاية، معظمنا ينغلق، وإما أن يعيش بصمت مع الألم، أو في بعض الأحوال عندما نعجز، نقبل تعریف شخص آخر لما نشعر به ببساطة من منطلق حاجتنا الماسة لإيجاد بعض الحل.

"لذلك من الهام جدًا أن تدرب نفسك على امتلاك الكلمات التي بها تعبرّ عن كيفية شعورك."

"يثير الخزي فينا أفكارًا، ومشاعر، وتصرفات. ويعتمـد وجـوده على البقاء متخفيًا؛ ومن ثم فهو يلجأ للصمت والسرية. إذا أدركنا مسببات الخزي لدينا وفهمناها، ومارسنا الوعي الناقد وتواصلنا مع الآخرين سنتمكن من زيادة قدرتنا على المقاومة عن طريق بناء شبكات اتصال. تمثل هذه الشبكات موردًا للتعاطف، والاتصال، والقوة التي تحتاجها لتحرير أنفسنا من براثن الخزي. ولكن للاستفادة من هذه الموارد، نحتاج لمهارات التواصل، نحتاج إلى القدرة على تعريف ما نشعر به، وسبب إحساسنا به، والتواصل بشأنه مع الآخرين."

"لذلك تعلم أن تطلب ما تحتاج إليه من استماع وتفهم ودعم

"في كثير من الأحيان نقنع أنفسنا، بالأخص نحن مقدمي الرعاية والمساعدة، بأننا لا ينبغي أن نحتاج إلى المساعدة، لذلك لا نطلبها. ومن ثم ينتابنا الألم والغضب، لأنه لا أحد يعرض علينا المساعدة,, نحن نحتاج إلى المساعدة، ولكننا لا نطلبها..  لذلك تعلم أن تطلب ما تحتاج إليه من استماع وتفهم ودعم."[1]

 إذا إن اكتسبنا قدرًا كافيًا من الوعي بالخزي لتسميته والتحدث إليه، فإننا نكون قد شللنا حركته من الأساس. الخزي يكره أن تكون هناك كلمات تدور حوله. تحدثنا عن الخزي، فإنه يبدأ في الذبول. تمامًا مثلما أن التعرض للضوء كان يُعتبر مميتًا للأشباح ومصاصي الدماء، فاللغة والكلام يسلطان الضوء على الخزي ويدمرانه.

د. برينيه براون

من كتاب "الجرأة بعظمة"

 

أشجعك أن تضع الحذر أرضًا، ولا تخف من أن تظهر نقاط ضعفك.

جميعنا نشعر بالانكشاف، حتى وإن تظاهر بعضنا بالخشونة. إن عرض نقاط ضعفك يمنح الآخرين الإذن كي يعرضوا نقاط ضعفهم أيضًا. هكذا تبدأ الصداقة بين الناس، كذلك عندما تكون أنت، دون إخفاء أو تظاهر بأي شكل من الأشكال، فهذا هو الباب الخلفي للثقة بالنفس وقبول الذات.

لست سوى إنسان

إن أحد الأشياء الكثيرة التي سوف أذكرّك بها دومًا؛ أنك لست سوى إنسان. فلا أحد يسير في الحياة دون الوقوع في الأخطاء، ولا أحد يمضي عمره دون أن يكون هناك يوم سيء، بل في الواقع معظم الناس لديهم الكثير من هذه الأيام السيئة. فإذا كانت الحياة قاسية عليك في هذه الأوقات فلست وحدك بالتأكيد، لأنها قاسية على الكثير من الأشخاص، وأحيانًا مجرد علمك بهذا الشيء، يساعد قليلاً في التخفيف من حدة الأمور، ويخفف من شعورك بالوحدة، إذ تعلم بعد كل هذا أنك لست وحدك، بل أنت جزء من الأسرة البشرية..

إن جزءًا من كونك "إنسانًا" يعطيك الحق أن تكون سعيدًا (راضيًا/ في حالة رضا). لسنا في حاجة إلى اكتساب ذلك الحق. ببساطة، كما لسنا في حاجة إلى كسب أشعة الشمس أو الأوكسجين، يحق لنا أيضًا أن يزدهر الحب والصحة فينا، وعندما أقول "يحق لنا" أعني بذلك أنه لا توجد أسئلة، أو خلافات، أو شكوك بخصوص هذا الموضوع، هي فقط هكذا!

في الوقت المناسب سنجد أننا قد بدأنا نشعر بالرضا والكفاية.. ثم يرحل عنا الشعور بأننا في حاجة إلى إثبات أنفسنا أمام أي شخص، ولا نحتاج أن يُعجب الناس بنا، مع أننا نجد أنهم على الأغلب يفعلون ذلك، لأننا نحب أنفسنا. هكذا، لا نتابع هدر طاقاتنا باحثين عن تأييدهم وتشجيعهم لنا، وحينها نحظى بالنجاح والإنجاز بسهولة أكبر.

نعم، لا تخلو من التحديات الحياة، لأن التحديات طبيعية في التجربة الإنسانية. بيد أن الموقف الذي يجب أن نكون عليه عندما نواجه تحدياتنا هو "أنا أشعر بالرضا والكفاية" وهذا سينتج السعادة والأنجاز.

د. ديفيد ر. هاميلتون

من كتاب " أنا أحب ذاتي"

 

نعم، يقتات الخزي على كتم الأسرار وعندما يتعلق الأمر بالأسرار، فإن هناك علمًا مهمًا يكمن وراء برنامج الاثنتي عشرة خطوة يقضي بـ: "أنت معتل فقط بقدر أسرارك". في دراسة رائدة، قام عالم النفس والأستاذ بجامعة تكساس جيمس بينيبيكر James W. Pennebaker وزملاؤه بدراسة ما حدث عندما حرص الناجون من صدمات، خصوصًا الناجين من حوادث اغتصاب، على سرية تجاربهم. اكتشف فريق البحث أن التصرف المتمثل في عدم مناقشة حدث مؤلم، أو الإفضاء به لشخص آخر قد يكون أكثر ضررًا من الحدث الفعلي، وعلى النقيض، عندما شارك الناس قصصهم وتجاربهم، تحسنت صحتهم البدنية، وتقلصت زياراتهم لأطبائهم، وأظهروا انخفاضات كبيرة في هرمونات التوتر لديهم.

في كتابه Writing to Heal، يكتب بينيبيكر: "منذ منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، ركّز عدد متزايد من الدراسات على قيمة الكتابة التعبيرية، بكونها طريقة لتحقيق التعافي. تتزايد الأدلة على أن الكتابة عن التجربة المؤلمة لفترة قليلة تبلغ خمس عشرة أو عشرين دقيقة يوميًّا لمدة ثلاثة أو أربعة أيام قد تسفر عن تغييرات مهمة في الصحة البدنية والعقلية. كما أن الكتابة العاطفية قد تؤثر أيضًا على عادات النوم عند الناس، وكفاءتهم في العمل، وكيفية تواصلهم مع آخرين".

 د. برينيه براون

من كتاب "الجرأة بعظمة"

 _______________________________

 [1]  من كتاب "كنت أظن أنني وحدي في هذا"، لنفس الكاتبة.

 [2]  يعرِّف بعض خبراء الاجتماع الأصالة بأنها "مشاركة الذات من خلال الاتصال بسلوك طبيعي، مخلص، عفوي، صريح، وصادق".