اعتناق الضعف؛ جرأة عظيمة

د. برينيه براون ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

جرأة شديدة.. جرأة عظيمة

 

خرافة رقم 1، "إن الضعف عجزٌ، الضعف نقصٌ". هذه هي الخرافة والمسلّمة الأكثر شيوعًا والأكثر خطورة كذلك.

الضعف ليس جيدًا ولا سيئًا.. الضعف هو جوهر كل العواطف والمشاعر. الشعور في حد ذاته يعني الضعف. الاعتقاد بأن الضعف عجزٌ يعني أن الإحساس عجزٌ. والحجر على حياتنا العاطفية خشية من أن العواقب ستكون وخيمة يعني الابتعاد عن نفس الشيء الذي يعطي معنى وغاية للعيش (أي الإحساس)!

غالبًا ما ينشأ رفضنا للضعف من ربطنا له بعواطف قاتمة مثل الخوف، والخزي، والأسى، والحزن، وخيبة الأمل؛ وكل تلك العواطف التي لا نريد مناقشتها حتى حينما تترك أثرًا عميقًا على أسلوب حياتنا، وحبنا، وعملنا. إن ما يخفق معظمنا في فهمه، وما أستغرق مني عقدًا من البحث لكي أتعلمه، هو أن الضعف الإنساني هو أيضًا مهد العواطف والتجارب التي نسعى إليها. الضعف الإنساني هو مسقط رأس الحب، والانتماء، والفرح، والشجاعة، والتعاطف، والإبداعية. إنه مصدر الأمل، والتعاطف، والمسئولية والأصالة. إذا ما أردنا الشعور بقدر أكبر من الوضوح في غايتنا، أو امتلاك حياة روحية أكثر عمقًا ومغزى، فالضعف الإنساني هو السبيل.

أعلم أنه يصعب تصديق هذا، خصوصًا عندما نكون قد قضينا حياتنا في اعتقاد أن الضعف الإنساني والعجز مترادفان، ولكن هذا ليس صحيحًا. أنا أعرف الضعف الإنساني على أنه عدم اليقين، والمخاطرة، والانكشاف العاطفي. مع أخذ هذا التعريف في الاعتبار، دعنا نفكر في الحب. الاستيقاظ كل يوم وحب شخص قد يبادلنا أو لا يبادلنا هذا الحب، والذي قد يظل في حياتنا، أو قد يغادر بدون أي إخطار مسبق، والذي قد يكون مخلصًا حتى آخـر يـوم في حياته، أو يخوننا غدًا، هذا هو الضعف. الحب غير مؤكد. إنه محفوف بالمخاطر للغاية. ومحبة أحد الأشخاص قد تجعلنا منكشفين عاطفيًّا. أجل، إنه مخيف، وأجل، نحن معرضون للجرح، ولكن هل يمكنك تخيل حياتك بدون حب أو بدون أن تكون محبوبًا؟ بإخراجنا لفننا، أو كتابتنا، أو صورنا الفوتوغرافية، أو أفكارنا إلى العالم بدون ضمان تقبلها أو تقديرها، ذلك هو الضعف أيضًا. بترك أنفسنا نستغرق في لحظات السعادة في حياتنا على الرغم من أننا نعرف أنها زائلة، على الرغم من أن العالم يخبرنا ألا نتمادى في السعادة لكيلا نجلب المصائب، هذه هي أحد الأشكال القصوى من الضعف.

يكمن الخطر الكبير، كما أشرنا سابقًا، في أننا نبدأ التفكير في الشعور بالعجز، فنحن نفقد قدرتنا على تحمل العاطفة، ومن ثم قدرتنا على تحمل الضعف. إذا ما أردنا استعادة الجانب العاطفي الجوهري في حياتنا وإعادة اشعال جذوة شغفنا وغايتنا، فعلينا تعلم كيفية الإقرار بضعفنا والتعامل معه، وكيفية الشعور بالعواطف التي يجلبها معه.

نعم، نحن نكون منكشفين تمامًا عندما نكون ضعفاء، أجل ، نحن نقبع في غرفة التعذيب التي نُطلِق عليها عدم اليقين. وأجل، نحن نجازف بمخاطرة عاطفية كبيرة عندما نسمح لأنفسنا أن نكون ضعفاء، ولكن ليست هناك معادلة فيها المجازفة وتحدي عدم اليقين وانكشاف أنفسنا عاطفيًا، تتساوى مع العجز.

عندما طرحنا، في البحث، سؤال "كيف هو الشعور بالضعف؟"، كانت الإجابات قوية بالقدر نفسه:

  1. إنه نزع القناع، على أمل ألا تكون شخصيتي الحقيقية مخيبة للآمال.
  2. إنه نقطة تلاقي الشجاعة والخوف معًا.
  3. إنه يبدو خطرًا ومرعبًا، ولكنه يجعلني إنسانًا وعلى قيد الحياة.
  4. إنه ترك التحكم.

والإجابة التي كانت تتكرر كثيرًا في جميع جهودنا البحثية لفهم الضعف بصورة أفضل كانت:

  1. إنه "الانكشاف"؛ الضعف يُشبه كونك مكشوفًا على خشبة المسرح، وتأمل أن يصفق الناس لك بدلاً من أن يضحكوا.
  2. إنه أن تكون مكشوفًا/عريانًا حين يرتدي كل شخص أخر كامل ثيابه.
  3. إنه يبدو مثل أن يراودك حلم بأنك مكشوفًا/عريانًا؛ أنت في المطار وعريان تمامًا.

كلمة الضعف vulnerability مشتقة من الكلمة اللاتينية vulnerare، التي تعني "يجرح". يشتمل التعريف على "إمكانية التعرض للجرح" و"التعرض للهجوم أو الأذى". ويعرّف قاموس ميريام ويبستر العجز على أنه عدم القدرة على تحمل الهجوم أو الجرح. ومن منظور لغوي فقط، يتضح أن هذين مفهومان مختلفان جدًا، وفي الحقيقة، قد يجادل الفرد بأن العجز غالبًا ما ينبع من عدم الإقرار بالضعف، عندما لا نعترف بمدى وهننا (ضعف حالتنا) وموطنه، فإننا نكون معرضين للإصابة بأذى بصورة أكبر.

أخرج علم النفس وعلم النفس الاجتماعي دليلًا شديد الإقناع على أهمية الاعتراف بنقاط الضعف. في مجال علم النفس الصحي، تظهر الدراسات أن الضعف الملموس، أي القدرة على الاعتراف بمخاطرنا وانكشافنا، يزيد بشدة من فرصنا للتمسك بأحد أنواع الحميات الصحية الإيجابية. فلجعل المرضى يمتثلون للروتينيات الوقائية، يجب عليهم العمل على الضعف الملموس. وإن ما يجعل هذا مشوقًا في الحقيقة هو أن القضية المهمة لا تتعلق بمستوى ضعفنا الفعلي، بل بمستوى اعترافنا بنقاط ضعفنا حيال مرض أو خطر معين.

تمثلت إحدى التجارب الأكثر إثارة للقلق التي مررت بها في حياتي المهنية في التحدث في مؤتمر TED في لونج بيتش، الذي أشرت إليه في المقدمة. بالإضافة إلى جميع المخاوف الاعتيادية المرتبطة بإلقاء حديث مصور، مدته ثماني عشرة دقيقة أمام جمهور شديد النجاح، ويمتلك سقف توقعات مرتفعًا، كنت أنا المتحدثة الختامية في الحدث بأكمله. ظللت لمدة ثلاثة أيام جالسة وأشاهد بعض الأحاديث الأكثر روعة وتحفيزًا، التي لم أكن قد شاهدتها قط.

بعد كل حديث كنت أنكمش أكثر في مقعدي، مع إدراكي أنه لكي يجدي - حديثي "نفعًا" يجب علي التخلي عن محاولة أدائه مثل أي شخص آخر، ويجب علي التواصل مع الجمهور. كنت أريد بشدة أن أرى حديثا يمكنني نسخه أو استخدامه كنموذج، ولكن الأحاديث التي تردد صداها لدي بصورة أكبر لم تكن تتبع نسقًا أو نمطًا ما، بل إنها كانت أصيلة فقط. هذا كان يعني أنه ينبغي علي أن أكون نفسي. ينبغي علي أن أكون ضعيفة ومتفتحة. سوف أحتاج إلى الابتعاد عن النص، والنظر إلى أعين الناس. ينبغي علي أن أكون مكشوفة. وكذلك، أوه، يا إلهي... أنا أكره أن أكون مكشوفة. لقد راودتني كوابيس متكررة أكون فيها مكشوفة.

عندما صعدت أخيرًا على خشبة المسرح، كان أول شيء فعلته هو التواصل بالأعين مع عدة أشخاص من بين الحضور. طلبت من مديري المسرح أن يسلطوا الأضواء الكاشفة لكي أستطيع رؤية الناس. إنني كنت أحتاج إلى الشعور بالاتصال. ذكرتني رؤية الناس ببساطة على أنهم أناس، بدلا من رؤيتهم على أنهم "الجمهور"، بأن التحديات التي تخيفني، مثل كوني مكشوفة، تخيف جميع أعتقد أن هذا هو السبب وراء إمكانية الإعراب عن التعاطف دون التفوه بكلمة واحدة؛ يتطلب الأمر فقط نظرة في عيني الشخص، ورؤية نفسك منعكسا بصورة ارتباطية. أثناء حديثي، طرحت على الجمهور سؤالين يكشفان عن المفارقات العديدة التي تعرف الضعف. أولاً، قمت بطرح سؤال: "كم منكم يعاني ليصبح ضعيفًا، لأنه يدرك الضعف على أنه عجز؟". ارتفعت الأيدي بسرعة في جميع أنحاء القاعة. ثم قمت بطرح سؤال: "عندما شاهدتم أناسًا ضعفاء على خشبة المسرح هذه، كم منكم اعتقد أنها شجاعة؟". مرة أخرى، ارتفعت الأيدي بسرعة في جميع أنحاء القاعة. إننا نحب رؤية الحقيقة الصماء، والانكشاف لدى أناس آخرين، ولكننا نخشى أن نجعلهم يرونهما لدينا. إننا نخشى ألا تكون حقيقتنا كافية، أن يكون ما لدينا لنقدمه ليس كافيًا بدون الكماليات التجميلية، وبدون التعديل، وبدون ترك أثر في الذهن. إنني كنت أخشى الصعود على خشبة ذلك المسرح، وإظهار طاولة مطبخي نفسها، فهؤلاء الأشخاص كانوا مهمين جدًا، ناجحين جدًا، مشهورين جدًا. أما طاولة مطبخي نفسها فهي فوضوية جدا، معيبة جدًا، غير متوقعة جدًا.

إليك جوهر المشكلة:

أنا أريد تجربة ضعفك ، ولكني لا أريد أن أكون ضعيفًا.

الضعف شجاعة لديك، وقصور لديّ.

يروقني ضعفك، ولكني أنفر من ضعفي.

قبيل صعودي على خشبة المسرح، أخذت نفسًا عميقًا، وتلوت دعاء الضعف الخاص بي أثناء انتظاري لدوري: امنحني الشجاعة على الظهور وجعل نفسي مرئية.

إنني لا أتذكر بصراحة الكثير مما قلت، ولكن عندما انتهى ذلك، رجعت إلى الانغماس في آثار الضعف مرة أخرى! هل كانت المخاطرة تستحق ذلك؟ بالتأكيد. أنا شغوفة بعملي، وأؤمن بما قد تعلمته من المشاركين في بحثي. أنا أؤمن بأن المحادثات الصريحة حول الضعف والخزي بإمكانها أن تغير العالم. كان كلا الخطابين معيبًا وناقصًا، ولكنني دخلت الحلبة وقدمت أفضل ما لدي. إن الاستعداد للظهور يغيرنا. إنه يجعلنا أكثر شجاعة بعض الشيء في كل مرة. وكذلك، أنا لست متأكدة من كيفية قياس الشخص لمدى نجاح الخطاب أو فشله، ولكن في اللحظة التي انتهيت فيها علمت أنه حتى إذا باء بالفشل أو أصبح محلًا للنقد، فإنه قد كان جديرا تماما بإلقائه.

إن الحياة تسأل: "هل أنت مستعد بكل كيانك؟ هل يمكنك تقييم ضعفك الخاص بنفس قدر تقييمك إياه لدى الآخرين؟". الإجابة بنعم عن هذين السؤالين لا تعني العجز: إنها شجاعة تفوق القياس. إنها جرأة عظيمة. وغالبًا ما لا تكون نتيجة الجرأة بعظمة مسيرة انتصار بقدر كونها شعورًا هادئًا بالحرية ممزوجًا بقليل من إعياء المعركة.

 

الخرافة رقم ٢، "الضعف أمرٌ غير مقبول؛

ينبغي أن أرفض الضعف"

عندما كنا أطفالًا، كنا معتادين على اعتقاد أنه عندما نكبر ، لن نكون ضعفاء.

ولكن الكبر ينطوي على قبول الضعف. أن تكون حيًّا هو أن تكون ضعيفًا.

 - مادلين لينجل

لسوء الحظ، ليست هناك بطاقة "خروج مجاني من الضعف"، نحن لا نستطيع تجنب عدم اليقين، وتلافي الخطر، والانكشاف العاطفي الذي يتخلل تجاربنا اليومية، الحياة ضعيفة.. إلق نظرة على قائمة الأمثلة السابقة؛ تلك هي التحديات التي تواجهك لكونك حي!

بغض النظر عن مدى استعدادنا لتقبل الضعف، فإنه يفرض نفسه. عندما نتظاهر بأننا نستطيع تجنب الضعف، فإننا ننخرط في سلوكيات غالبًا ما تكون غير متسقة مع الشخصية التي نتطلع إليها. إن تجربة الضعف ليست اختيارية، فالاختيار الوحيد الذي نمتلكه هو الطريقة التي سوف نستجيب بها عندما نواجه عدم اليقين والخطر، والانكشاف العاطفي.

إن المشاركة بصورة ملائمة، مع وضع حدود، هي المشاركة مع أناس كنا قد طورنا معهمهم علاقات يمكنها تحمل وطأة قصتنا. وتتمثل نتيجة هذا الضعف المتسم بالاحترام المتبادل في تواصل، وثقة، وترابط متزايد.

نحن نحتاج إلى الشعور بالثقة لكي نكون ضعفاء، كما نحتاج إلى أن نكون ضعفاء كي نثق.

الثقة هي نتاج الضعف الذي ينمو مع الوقت ويتطلب عملاً، وانتباهًا وانخراطًا تامًا. الثقة ليست لفتة كبيرة، بل إنها مجموعة مواقف متزايدة.

 

د. برينيه براون

من كتاب "الجرأة بعظمة"