المجتمع والابداع

سامح سليمان ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

المجتمع والابداع

 

الابداع هو كسر النسق القائم والخروج على الموروثات القديمه للسير فى الدرب الطبيعى للحياة، وهو درب التقدم والتطور.الدرب الذى يزداد ابتعادنا عنه يوما فيوم لاسباب عديدة اهمها ان مجتمعنا العربى مجتمع اعتقادى غير مفكر تحكمه العديد من المسلمات وقوائم من المحرمات توحد معها بدون فحص او مراجعه،واصبحت مع الوقت محل تقديس،وشكلت له قالبا فكريا غير مسموح بتجاوزة او حتى تعديله،مما ادى الى ان نتخلف تخلفا شديدا فى كافه المجالات. فالتصميم على التمسك بالمحرمات الثقافيه معناة التصميم على اغتيال العقل الناقد وهو اساس الابداع، فاذا اغتلناة اغتلنا الابداع والتطور واصبحنا خارج مسار الحضارة الانسانيه.
فالتنوير يتطلب قدر من الحريه يمكن الانسان من استعمال عقله استعمالا طليقا جهيرا .
(الابداع لا يعرف شئ يدعى اجماع القدماء او ثوابت المجتمع،الابداع لا يعرف محظورات او خطوط حمراء.)
(فالحريه هى روح الابداع وارضه الخصبه)
فكيف يمكن للانسان ان يبدع وينتج وهو محاط بالرقباء والاوصياء وخائف من مصادرة افكارة وربما حياته ايضا؟!
ولنا فى(طه حسين،فرج فودة،نوال السعداوى،نجيب محفوظ) وغيرهم كثيرين عظه وعبرة.
طارق حجى: (فى ظل توارى قيمه قبول النقد وعدم التدرب على النقد الذاتى والايمان بنظريه المؤامرة وجد مناخ ثقافى قتل فيه فرج فودة وطعن فى عقله احد اكبر اسباب فخر مصر وهو الاديب الفذ نجيب محفوظ....،وصودرت كتب يشعر الانسان بالعار عندما يكون من بينها كتاب النبى لجبران خليل جبران.....الى اخر الامثله العديدة لقروح فى حياتنا الثقافيه ما هى الا ثمار مباشرة لشيوع قيم سلبيه مثل عدم قبول النقد والتكوين الفكرى بمعزل عن عن قيمه النقد الذاتى ثم الوصول الى الايمان المطلق بالمؤامرة والذى يجعل البعض يمسك فى يديه الحجارة بدلا من القلم)  (الثقافه اولا واخيرا)
خالد محمد خالد: (ان العقل فى بلادنا مشرد محروم،تطاردة الحكومات والجماعات فهو مشبوة سياسى تارة،ومشبوة دينى اخرى،فماذا بعد ان تظل عقولنا مسامه هذا الاضطهاد؟فماذا بعد ان نظل امه بلا عقل)     (مواطنون لا رعايا)
بكل اسف اقول اننا نعانى من مرض القطعنه والسير حيثما تشير العصا،لانعرف البحث والاختيار عن قناعه،بل اصبحنا مجموعه من النسخ المكررة والمشوهه بلا فكر او راى او هويه،واقفين بالمرصاد لكل من يحاول ان يختلف او يناقش مسلماتنا التى توارثناها عن الاولون،لنمارس تجاهه كافه انواع القهر والضغوط ،لكى يصب فى قالبنا الفكرى ويفقد تفردة واختلافه،فان رضخ اصبح المخلص والبار وان صمد اصبح خائن او كافر او مجنون!!
عبد العزيز قبانى: (فالذات الجماعيه تنسب الى المفكر الثورى لكى تحبط من حركه فكرة و نشاطه من ان تؤول الى التغيير،استيراد فكرة او معاداته للدين اوالوطن. اوتنسب اليه صفه مرفوضه كالتهور والالحاد والخيانه من اجل تنفير الناس منه،والحاق الهزيمه به)   (العصبية بنية المجتمع العربى)
وما اكثر الراضخين المنقادين فى مجتمعنا!!
فالشرقى ميال الى التوحد بالجماعه بسسب فقدانه للاحساس بالامان وعدم اعتيادة على النقد والتحليل والاستقلال بالراى،
وحياته فى ظل مجتمع لا يعرف سوى النقل والتلقين والتوريث لقيمه واحكامه وعاداته وافكارة التراثيه الذكوريه المتخلفه والعفنه،المستمدة من كتب اوراقها مهترئه من فعل الزمن،(قام بكتابتها شخصيات مشكوك فى صحه ما قد تم تدوينه عن حياتهم بل وايضا مشكوك فى نسبه هذة الكتابات اليهم، بل وحتى مشكوك فى وجودهم التاريخى من الاصل)!!!
والتى تحتوى على كم من العقم والبلاهه والسفه واللامنطقيه يفوق بكثير ما تحتويه من قيمه، نتيجه مراحل عديدة من التشويه والتدمير لنفسيه الانسان الشرقى وعقله من جانب العديد من المؤسسات التى شكلت شخصيته.وقامت بتكوين  قاعدته الفكريه.ابتداء من اول واهم مؤسسه على الاطلاق فى حياة اى انسان وهى مؤسسه الاسرة.
مؤسسه الاسرة وقانون الغابه
الاسرة فى مجتمعاتنا العربيه، ذكوريه ابويه عشائريه، قائمه على تسلط الوالدين (خاصه الاب لانه صاحب القوة الاقتصاديه ورب الاسرة!!)واعتبار الابناء ملكيه خاصه،يحق لابائهم تشكيل حياتهم،والتحكم فيها،بحكم ما لهم من فضل وتضحيات.
فتقاليدنا الاسريه تحرم علينا مناقشه ذوينا او الاختلاف معهم،وتروج للنموذج الخانع المطيع على انه المثل والقدوة اما المختلف صاحب الراى فهو مارق وعاص ونهايته جهنم وبئس المصير!!
د.فؤاد زكريا(منذ سنوات العمر الاولى تعمل الاسرة على ان تكون العلاقه بين الاباء والابناء علاقه طاعه،وتقدم طاعه الوالدين على انها قمه الفضائل الاخلاقيه.......ويعمل تراث شعبى كامل على ترسيخ فكرة الطاعه بين الاباء والابناء وكانها هى النموذج الاعلى للسلوك الاسرى المثالى،وحين يتكرر هذا النموذج عبر عشرات الاجيال،تكون النتيجه هى جمود المجتمع باكمله وانعدام التجديد فيه)      (خطاب الى العقل العربى)
خالد محمد خالد:(يبدء قانون الغابه فى البيت سالكا مع الطفل احد طريقين او كليهما،الامر الصارم الذى تسكته الطاعه السريعه او العقوبه التى تبدا بالضرب وتنتهى باحداث عاهه جسميه وعاهه نفسيه) (كتاب :لكى لا تحرثوا فى البحر).
المؤسسه التعليميه وتدمير العقل
ولن نستطيع ان ننكر الدور الكبير للمؤسسات التعليميه فى تدمير الروح الفرديه ومسخ الكيان الانسانى للفرد،وتشويهه فكريا ونفسيا وربما ايضا جسديا، فى مختلف المراحل التعليميه باساليبها المتخلفه القائمه على الحفظ والتلقين وتقديس صنم ملعون يدعى(الاجابه النموذجيه)واعتبار المناهج التعليميه وحى منزل والمعلم نبى مرسل كفر كل من تجرء على مناقشته واستحق العقاب بكافه اشكاله التى يجيدها اغلب المعلمين اجادة تامه!
(فكانت النتيجه عقولا عاجزة خانعه،تتبع ولا تبدع، ترث ولا تنتج).
د.فؤاد زكريا(تعمل المؤسسه التعليميه على توطين فيروس الطاعه فى خلايا الادمغه الفتيه الغضه،فاءذا بمعاييرها لتقييم اداء التلاميذ ترتكز كلها على الترديد الحرفى للمعلومات المحفوظه و تعطى اعلى درجات التفوق للتلاميذ المجتهدين،
وهى فى قاموسنا التعليمى لاتعنى الا الحافظين وتعاقب كل من يبدى رايا ناقدا او مخالفا فتنزله اسفل سافلين)
(خطاب الى العقل العربى)
ذلك بخلاف ان سياسه الضرب والاستهزاء بالطلاب وتحقيرهم اصبحت مبادئ مهيمنه داخل المدارس الحكوميه المصريه!
وسوف اذكر بعض المواقف من كتاب(ثقافات التعليم فى مصر)للدكتورة ليندا هيريرا:(وهو دراسه ميدانيه هامه):
طالبه من المدرسه (ى):بيضربونا على جسمنا وعلى خدودنا،والشتيمه بالفاظ قبيحه مثل يا كلبه يا بنت الكلاب، يا جزمه  يا سافله....اهلك مش عرفوا يربوكى،وشتائم اخرى لا استطيع ان اذكرها.
مدرس يوجه حديثه الى الطلاب اثناء طابور الصباح:_سنه تالته شويه زباله وشويه عيال، بتحسب نفسك راجل،انت عيل، ولا حصلت حتى عيل،مش عايز تتعلم وتحترم نفسك اثناء الحصه،ماتخشش من باب المدرسه،تقف فى الطابور زى الالف زى الكلب،هنا خلاص بقى سوق غنم،ممنوع اى طالب يطلع برة لاى سبب،مش عايز اشوف كلب برة الفصل.)
الهروب من الواقع المؤلم الى الوهم والغيبيات
وامام تخلفنا فى العديد من المجالات و احساسنا الدفين بالضأله والجهل والعجزعن المواجهه والسعى نحو النديه.
لم تجد مجتمعاتنا الشرقيه ما يشعرها بالقيمه والافضليه امام الغرب المتقدم المبدع سوى اتهامه بالكفر والالحاد،وان تنسب لنفسها التقوى والايمان،وصار منطقنا فى الحياة ان كان لهم العلم فلنا الدين،وان كانت لهم الدنيا فلنا الاخرة،فلم يعطهم الله العلم الا لكى نتفرغ نحن للعبادة!!!.
ويؤيد هذا الراى المفكر سيد القمنى فى كتابه الاسطورة والتراث(مع الاحساس المتنامى بالدونيه والتقزم،والياس المطبق عن اللحاق بعالم اليوم تنعكس المشاعر الدونيه الى الطرف المقابل لايجاد نوع من التوازن النفسى، فتتضخم الذات والثقافه القوميه والاصل والماضى،حتى نصل الى اقصى الطرف الاخر بنرجسيه واضحه،بل وفصاميه،فنستخدم احدث المنتجات العلميه الغربيه،ثم نبرر لانفسنا الوجه الاخر من الفصام العاجز بالازمه الروحيه والاجتماعيه والاقتصاديه التى يعيشها العالم المتقدم،والتى لابد وان ترجع اسبابها وفق هذا المنطق المريض لاخذ الغرب بالعلم البشرى وحدة،مع التشكيك الملح فى قيمه ما انتجه العلم البشرى و امكانات هذا العقل....،ولا نرتاب لحظه فى شكنا فى نوايا التوجهات الاعلاميه الرسميه وسعيها الدؤوب لوضع الدين على قمه الهرم الفكرى لمنتج الامه الثقافى)
فعشنا فى هوس التدين والنفاق وتاليه القيادات الدينيه
كفرنا بالشك وامنا بالنقل والتسليم،قدسنا الجهل والخرافه واحتقرنا العقل والعلم!
وصارت علاقتنا بالله علاقه فرائض وقشور،علاقه استغلاليه تعويضيه!!
وايضا قمنا بتديين كل شئ فى الحياة من علم وفكر وسلوك
فصرنا لا ناكل او نشرب،لا نقبل او نرفض الا بعد اخذ الاذن والتصريح!!
واصبحنا عبيدا لمدعى العلم والمعرفه ببواطن الامور،واستطاع كل جاهل ومتسلط وباحث عن الشهرة ان يركب ظهورنا
ويسوقنا بعصاة،بعد ان تنازلنا عن انسانيتنا والقينا عقولنا فى سله القمامه.
خالد منتصر(الشعب المصرى يعيش حاله من التوهان والدروشه المزيفه والشكليه المقيته والاهتمام بالقشور واعتناق التفكير الخرافى وادمان الدجل والغرق فى الغيبيات وهجران ارض الحياة انتظار لحل السماء)  (صوت الامه 7\1\2008)
(وهذا نتاج طبيعى لمجتمع مغيب العقل احادى الرؤيه والفكر)
واخيرا لست اجد ما يعبر عن ما وصلنا اليه سوى امثوله الكهف لافلاطون،وهى تدور ان ثمه افردا وضعوا فى كهف من الطفوله واوثقوا بسلاسل فلا يستطيعون منها فكاكا،واديرت رؤسهم الى داخل الكهف فلم يعد فى امكانهم الرؤيه الا امامهم،فيرون على الجدار ضوء نار واشباة ناس، فيتوهمون ان العلم الحق هو معرفه الاشباح!!
ان النهضه المرجوة لن تحدث ابدا بدون صانعها وهو الانسان الفرد
ان اوروبا لم تتقدم وتتخلص من خرافات العصور الوسطى الا باعلاء قيمه الانسان ورفض كل سلطه الا سلطه العقل،فالنهضه هى بالانسان وللانسان وليس بمشروعات وشعارات وهميه هلاميه وغير مكتمله الصياغه.
النهضه لن تحدث الا بانسان يعطى الاولويه للعقل،انسان ذو ارادة حرة خلاقه،انسان مؤمن  بثقافه الحياة وليس بثقافه الموت،انسان يشعر بانتمائه الى وطنه ومجتمعه،انسان مؤمن بقيمته ودورة فى الحياة ويسعى الى اكتشاف نفسه وطاقاته وتطوير قدراته ومعرفه ما خفى عنه من اسرار الكون وتحقيق حياه افضل له ولغيرة ولمن ياتى من بعدة،انسان يثق فى ذاته ويعتمد على ذاته فى تحقيق نجاحات ماديه ملموسه على ارض الواقع من صنع يديه،لا عن طريق اى قوة خفيه.
(وليس بانسان عبارة عن ببغاء، مقيد صاحب ثقافه محفوظاتيه، مازوشى يتلذذ باحتقارة لذاته، عاشق للموت  يطلبه ويتمنى اقترابه،انسان مدمن للغيبيات والميتافيزيقيا،انسان يستمع بحروب وانتصارات دونكيشوتيه فى عوالم وهميه.)
لذا يجب ان نسعى بجديه لنتحول من مجتمع سلبى غير منتج لا يقوم سوىباصدار الاحكام فى ظل معتقداته.
مجتمع تحول ابناؤة الى بصاصين وحاملى مباخر واصحاب فتاوى!
مجتمع يحتقر العقل ويقدس الخرافه، مجتمع يخاف من الحريه ويهتف بحياة كل محتسب!
الى مجتمع ناضج مفكر مبدع،قادر على التقييم والتحليل والتعبير عن الراى بحريه دون خوف من وصى او رقيب.
مجتمع يحترم الانسان ولا يقتل فيه الابداع.

 

سامح سليمان

القاهرة