من الإخوة كرامازوف

دوستوفسكي ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

يمكنك تقييم هذا الخاطر بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة

 

من حديث الكاهن كبير المفتشين إلى المسيح على لسان ايفان كرامازوف

 

حين نقلك الروح الرهيب (إبليس) إلي سطح الهيكل وقال لك: "إذا أردت أن تتأكد أنك ابن الرب فألق بنفسك في الفضاء، لأنه كتب أن الملائكة ستتلقفه وتسنده فلا يقع ولا يتحطم، وعندئذ تعلم أنك ابن الله وتبرهن على قوة إيمانك بأبيك"، ولكنك رفضت هذا العرض ولم تلق بنفسك في الفضاء. صحيح أنك تصرفت في تلك اللحظة تصرفاً فيه ما في تصرف اله من عظمة وجلال، ولكن هل تتصور أن البشر، وهم جنس ضعيف متمرد، يملكون من القوة الروحية ما يملكه اله؟ لقد فهمت في تلك اللحظة أن حركة بسيطة هي أن تهم بإلقاء نفسك في الفضاء كانت ستعني تجريب الرب، فلو قمت بها لكنت بطلب المعجزة تبرهن على قلًَة إيمانك، فإذا حُرِمت من الإيمان تهشمت أسوأ تهشم على الأرض التي جئت لتخلصها وتنقذها، وتهلل الروح المحتال جذلاً وطرباً.
ولكنني أعود فأسألك: هل أمثالك كثيرون في هذا العالم؟ هل تعتقد ولو للحظة واحدة أن البشر يمكن أن يقاوموا هذا النوع من الإغراء؟ هل في طبيعة البشر أن يتنازلوا عن المعجزة وأن يعتمدوا على حكم القلب وحده في الساعات العصيبة من الحياة، أمام المشكلات الخطيرة الأليمة التي تعرض للنفس؟ لقد كنت تعلم أن موقفك البطولي سينتقل في الكتب المقدسة إلى آخر العصور، كنت تأمل أن يقتدي البشر بك فيقبلوا أن يظلوا وحيدين مع الله لا يطلبون معجزة من المعجزات. ولكنك لم تقدِّر أن الإنسان متى رفض المعجزة أسرع يرفض الرب، لأنه يبحث عن الآيات وليس عن الرب، وأنه لكونه لا يستطيع أن يحيا بغير معجزات، سيخلق بنفسه معجزات، وسيتبع أباطيل السحرة وخزعبلاتهم، ولو كان متمرداً وكافراً وملحداً. إنك لم تنزل عن الصليب حين دعاك الجمهور إلى ذلك صائحاً من باب الاستهزاء: "انزل عن الصليب فنصدق أنك أنت" إنك لم تنزل، لأنك مرة أخرى لم تشأ أن تستعبد البشر بالمعجزة، وإنما أردت أن يجيئوا إليك بدافع الإيمان لا بتأثير العجائب وكنت تريد أن يهبوا لك محبتهم أحراراً لا أن ينصاعوا لك عبيداً أذهلتهم قوتك. هنا أيضاً أسرفت في تقدير البشر ووضعتهم في منزلة أعلى من منزلتهم، ذلك أن البشر عبيد رغم أنهم مفطورون على التمرد.

 

ثيودور ديستوفيسكي

من رواية "الأخوة كرامازوف"