هل الجامعة سفر متشائم؟

٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢
يمكنك تقييم هذا الخاطر بالسطر السابق: ضع تقديرك له من 1 - 5 درجات ثم اضغط على Rate . أيضاً يسرنا تلقي تعليقاتك الخاصة بنهاية الصفحة
 
سفر الجامعة؟! آه، أنه سفر تشاؤمي وكئيب ليس إلا! الأفضل لي أن اقرأ سِفر آخر من الكتاب المقدس.
لكن تمهل لحظة.
انه ليس من اللائق أن استهل قولي لقرائك انك على خطأ – لكن أنت يا كاتب الجامعة، ألم تكن رجلاً ساخراً وكئيب أيها العجوز لأن هناك شئ ما أرغمك أن تكون هكذا!
إنه لم يكن الرجل الأكثر كآبة في العالم. بالتأكيد، العديد (و ربما الأغلبية) من الأسطر التي كتبها هي تشاؤمية، لكن "كوهيلث" (سليمان المتحول إلى واعظ) يكمن غرضاً إيجابياً جوهرياً. إن تشائميته ترتكز حول "الحياة تحت الشمس". في الحقيقة، عندما تقرأ الكتاب بعين راكزة الى ما يرمي إليه، ستجده شخصاً مسترخياً، بالأحرى هادئ ومتمهل. يبدو انه قد اختبر كل التجارب -الجيدة والسيئة- وبالتوبة، توصل الى تفاهم و مصالحة مع الحياة. تلك هي شروط الله. في الحقيقة, هناك الكثير الذي  يمكن، عند تفسيره بشكل صحيح، أن يعطي للمؤمن في النهاية طمأنينة و فرح في مواجهة المتاعب.

"سوف يتطلب منك بعض الجهد لإقناعي بهذا!"
حسناً. دعونا نلقي نظرة فاحصة على الكتاب. في البدء، لاحظ أن اسمه، (الجامعة) "اكليسياستيس (الواعظ)"، أعطي من قِبَل المترجم الإغريقي لتوراة العهد القديم. في النسخة الأصلية العبرية، "كوهيلث" تعني "الذي يجمع الناس"، سليمان كان يجمع كل من في بلاطه (ربما آخرون أيضاً) كي يوعظ بهم: " كونه حكيم، "كوهيلث" علم الناس المعرفة... الواعظ سعى إلى إيجاد الكلمات السارة، الحقيقية، السليمة الكتابة" (جا 12: 9-10 ؛ أنا استعملت ترجمتي الخاصة في هذا المقال). أراد ان تصبح كلماته عند نشرها: "مهماز، كالمسامير التي يغرزها السادة أصحاب الأقاويل الراسخة" (12:11). إن اللهجة المستعملة في الجامعة تشير إلى أنه لم يكتب لإسرائيل فقط، بل للعالم الفينيقي كذلك. فالسفر، بالإضافة إلى الأشياء الأخرى، كان تبشيري، مكتوب لقراء البلد وخارجه الذين لا ينتمون إلى دين أو مذهب.

الآن، فكر في هذه الكلمات "تحت الشمس". هذه العبارة المتكررة غالباً ما تصف الحياة على أنها، على ما يبدو، ليست أكثر من أهداف دنيوية . إنها تصف شخصاً ما فني نفسه بنشاط وانفعال شديدين للسعي عبثاً وراء الأنشطة، لأنها كل ما لديه ليحيا من أجله. ولكن على النقيض، الحياة المسيحية هي حياة متوازنة، "تحت الابن"، الذي كان قد تصور إلى سليمان من خلال الرموز والمراسيم. أراد سليمان الحكيم نقل الناس من طريقة الحياة السابقة إلى حياة ثانية: "الآن أصغى إلى ختام الأمر بأكمله: اتق الله واحفظ وصاياه لان هذا ينطبق على كل شخص" (12:13).فختم بتهديد شديد اللهجة: "الله يحضر كل عمل إلى الدينونة سواء كان خيراً أو شراً" (12:14). هذا لا يعنى أن الناس مبررين بالعمل، لكن يدانون حسب أعمالهم التي ستكون دليل على خلاصهم أو لا. العهد الجديد يتفق مع هذه التعاليم (متى 25: 31-46 )؛ (رؤ. 20: 12-15).
لكن هل كان سليمان الحكيم حقاً مستريح النفس ومتصالح مع الحياة؟ وماذا يقدم للمسيحيين؟ في هذا السفر المدهش، يتناول سليمان الحكيم أسئلة جوهرية - شئ مماثل لما تطرحه اليوم عندما تأخذ الوقت لتفكر بجدية. فهو يسأل، "لماذا العناء في بذل أي جهد، حيث أن النتائج مؤقتة، وهذا باطل (غير مُجد)؟ لماذا السعي وراء المال، الشهرة، السلطة، والامتلاك حيث الفشل في إرضائه؟ لماذا تجهد نفسك من أجل الأشياء حيث الشرير والحكيم كلاهما ينتهيان في القبر؟" جوابه: إن تعامل العناية الإلهية مع الناس هو وفقاً لما يراه الله مناسب. إن سليمان الحكيم يريدنا أن نسكن بهدوء بالإيمان لمشيئة الله الكلي السلطة.
كلمته الأكثر استخداماً، هي "باطل"، تعنى أن الحياة تحت الشمس هي "فارغة"، لأنها ليست دائمة. وهذه الفكرة الرئيسية تتخلل السفر كله. فيقول، "أجيال تمضي وأجيال تجيء" (1:4)، "ليس هناك ذكر للأمور السابقة"(1:11)، وكما "يأتي" الشخص إلى العالم بالولادة هكذا "يذهب" خارجاً لا يأخذ شيءً معه (5:16). في الفصل الثالث، أعداد 1-5، يدون سليمان عدة أشياء تتغير باستمرار. الناس يولدون ثم يموتون، النباتات تغرس ثم تقلع، أشياء تهدم وأخرى تبنى. أشياء تخاط وأخرى تمزق؛ بعض الأشياء تحفض والبعض الآخر يُرمى؛ هناك أوقات للبكاء وأوقات للضحك، فترات للحزن ومناسبات للرقص - وهكذا. مسار الحياة غير ثابت. لهذا السبب، يجب أن لا نتمسك بالأشياء بإحكام. الجهود المبذولة لتحقيق الدوام محبطة و غير مثمرة.
يقول سليمان أن تكديس الثروة و الممتلكات هو حماقة لأنك غير قادر على أخذهم معك. بدلاً من أن تضع آمالك في الأشياء التي تحت الشمس، ضع ثقتك في الله الخالق. لكن كيف يمكن لهذا أن يُحسّن الحياة؟ إن الفرق لن يكون فقط عند الدينونة، بل هو يقدم فلسفة للحياة الراهنة التي تحرر الإنسان من القلق والغيظ. حيث أن الله قد جعل "الابدية في قلب الإنسان" (3:11)، يمكنك أن تتطلع إلى الوقت الذي تصبح فيه الأشياء المؤقتة منسية. بينما سيأتي يوم ما، تكون فيه مقاصد الله -التي قد تبدو لا معنى لها الآن- مفهومة: "لقد وضع الابدية في قلب الانسان التي من دونها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية" (3:11). أرخى ذهنك- كل شئ سيصبح معلوما في وقته.
إن ما تعمله هنا (على الأرض) له عواقب أبدية، يجب أن تحترس وأن تكون اكثر مثابرة في جهودك. لكن لا تتوقع أن تأتي المكافآت قبل الإنجاز. ولا ينبغي أن تكدح بحماقة بحثاً عن رضا دائم في أي شئ كان في عالم زائل.
بما أن، كما أوضح سليمان، بذل الجهود لمحاولة المستحيل هو باطل، فهو ينصح بعيشة هادئة مسئولة، ذات جهد معتدل يحقق الإنجاز عن جدارة وأهلية، والتمتع بعطايا الله البسيطة. هو يريدك أن لا تقلق للغد أو أن تعمل طوال يومك حتى الهلاك! استمع إلى هذه الفقرة التنويرية تلك:
"ليس هناك للإنسان خير أفضل من أن يأكل ويشرب وأن يرى خيراً في تعبه. أنا رأيت أن هذه هي عطية الله." (2:24؛ كذلك 3:12-13؛ 5:18؛ 8:15: و 9:7-8).
هناك موضوع مستمر الطرح في هذه الآيات: تمتع بالطعام والشراب و مباهج الحياة البسيطة. لكن فكر جيداً، فحتى هذه الأشياء لا تدوم: أنت تأكل وتشبع، لكن تجوع ثانية (إن ذكره المتردد للطعام والشراب يمثل الطبيعة الزمنية "الزائلة" للأشياء). كُف عن الغيظ بخصوص الأشياء التي لا يمكن أن تتغير. استمتع بطعام جيد و وقت جيد (متذكراً إن أي شئ تعمله سُيقدم للحساب (الدينونة) في يوم ما) (12:9).

إذاً، عن ماذا يتحدث سفر الجامعة؟ بعد العيش بإسراف، بعد العمل بإفراط لتحقيق شهرة و ثروة دائمين، بعد أن غمس نفسه في الخطيئة، بعد ذلك فقط استطاع سليمان أن يقول: "كنت تَعِب من الحياة... نعم، سئمت كل عملي"، لماذا؟ لأنه ميز، في النهاية، أن كل ما فعله لم يكن أكثر من "باطل وإغاظة للروح" (2:17-18).
كتب سليمان الجامعة لكي يساعدك على رؤية هذا. فهل وخزة مهماز (المنغاز) الجامعة جعلتك تفكر في الحياة كما يجب على المؤمن؟ إذا كان جوابك لا، اقرأه مرة أخرى – وأخرى، وأخرى. إنه لجدير اخذ الوقت المناسب لذلك!

 

"جاي أدامز"

مقتبسة من الإنترنت

ترجمة إيمي إلياس

http://gospeltranslations.org/wiki/Ecclesiastes/ar