التغيير من الداخل.. البداية

التغيير من الداخل.. البداية
  • اسم المؤلف لاري كراب
  • الناشر مركز بيت الحياة
  • التصنيف موضوعات متنوعة
  • كود الاستعارة 178 / 7
نبذة مختصرة عن الكتاب:

 


رغم الخلط الخاطئ، الواضح في أغلب كتابات لاري كراب بين الخطية والاضطراب النفسي، والتي يقع فيها هذا المشير والبروفيسور المسيحي إذا يتحدث في أحيان كثيرة عن الخطية والاضطراب النفسي كما لو كانا شيئاً واحداً، إلا أنه إذا وضعنا ذلك الخطأ في الاعتبار نجد لدينا كتابات مسيحية من أروع ما يمكن يقدمها لنا هذا الكاتب المسيحي المخلِص. فإذا استبعدنا بعض من محاولاته، وليس كلها، رغم إخلاصه الجاد فيها، لإيجاد صياغة لمشكلة الإنسان السيكولوجية من خلال تناوله المسيحي، تلك المحاولات التي نجد بها هذا الخلط الخاطئ بين الخطية والاضطرابات النفسية، فإننا نجد أنفسنا أمام أحد أفضل الموارد المسيحية الغيورة الصادقة المعاصرة.

ونحن سعداء بترجمة هذا الكتاب في الأسابيع القليلة من العام المنصرم، رغم بعض مشكلات الترجمة التي غيرت المعنى به، ولذا رغبنا فوراً في تقديمه إليكم على الفور. وقد نشره الناشر العربي في جزأين، ربما لكبر حجم الكتاب، ونحن هنا لن نقدم تلخيصاً له، وإنما سوف نجعل كراب يتكلم إليك مباشرة من خلال المقتطفات الطويلة التالية التي تعبر عن روح هذا الكتاب. كما أيضاً نستأنف هذه المقتطفات في باب "خواطر وأفكار" اليوم.

 


الرجاء الكاذب للمسيحية العصرية


إن المسيحية العصرية – في صيغتها الدرامية غير الكتابية – تعد بتخفيف ألم المعيشة في عالم ساقط؛  فالرسالة – سواء كانت من الأصوليين الذين يطلبون منا أن نعيش بموجب مجموعة من القوانين أو من الكارزماتيين الذين يحفزوننا على الخضوع الأكثر عمقا ً لقوة الروح – في الغالب هي الشيء نفسه،  الوعد بالغبطة والسعادة للوقت الحاضر! الشبع الكامل يمكن أن يصبح لنا ونحن فوق الضفة الأخرى من السماء.


يتحدث البعض عن أفراح الشركة والطاعة،  ويتحدث آخرون عن الوعي العميق بقيمتهم واستحقاقهم. قد تكون اللغة كتابية بالتأكيد أو قد تعكس تأثير الفكر السيكولوجي الحالي. على أية حال، فإن فكرة السلوك بموجب الحياة المسيحية انتقل من معرفة وخدمة المسيح إلى أن يعود بالتهدئة والتخفيف من المعاناة.


يُقال لنا في بعض الأحيان بصراحة ولكن في أحيان كثيرة عن طريق المثل، إنه لا ينبغي أبداً أن تشعر بالضغوط العائلية وتتأثر بالاحتمالات المخيفة،  أو الأخبار المخيبة للآمال.

والفرح الذي لا يُعبَّر عنه مُتاح، والذي يمكنه بالفعل أن يزيل الضغوط ، والقلق، والألـم من اخـتبارنا بدلا ً من تقديـم الدعـم لنا خلال الأوقات العصيبة.  قد تكون للحياة صعوباتها،  ولكن حقيقة حضور المسيح وبركته يجعلها تبهج نفوسنا حتى أننا لا نشعر حقا ً بالألم. ليس من الضروري حقا ً أن نتصارع مع الصراع الداخلي و التشويش؛ عليك فقط أن تثق، وتستسلم ، وتثابر، وتطيع.


إن تأثير مثل هذا التعليم يقلل من شأن الحقيقة الأليمة المتعلقة بما تكون عليه الحياة حين نعيش كجزء من مجتمع غير كامل، وشرير أحياناً. نحن نتعلم التظاهر بأننا نشعر الآن بما لا نستطيع أن نشعر به حتى الوصول إلى السماء.

ولكن لسنا جميعاً مهرة في أداء هذه اللعبة، وإن الذين تعوقهم أمانتهم عن القيام بهذا التظاهر يقلقون أحياناً بسبب النقص الواضح للإيمان؛ «لماذا لا أشعر بالسعادة شأني شأن الآخرين؟ لابد أن هناك خللاً ما في حياتي الروحية.»

ومما يزيد الأمر سوءًا، أن هؤلاء الأمناء يظهرون غالباً أقل نضجاً وحياتهم أقل جاذبية من أولئك المُدَرِّبين جيدًا على الإنكار، وتميل الكنائس إلى مكافأة هؤلاء الأعضاء الذين يخلقون الانطباع الكاذب بشكل مقنع بالسلامة والاستقامة، وتقديمهم كأمثلة على ما يجب أن يتحلى به كل مسيحي.

تحت السطح الخارجي لحياة كل واحد فينا – وبنوع خاص أكثر نضجًا – يوجد الم لن يفارقنا، يمكن تجاهله، وإخفاء هويته، وتضليله، أو إغراقه في سيل من الأنشطة، ولكنـه لن يختفي. و لسبب وجيه، خُلِقنا لكي نستمتـع بعالـم أفضل من هذا، وحتى يأتـي ذلك العالم الأفضـل، سوف نئن مطالبين بما ليـس لدينـا، إن النفس المتألمة هي دليل ليس على الاضطراب العصبي أو عدم النضج الروحي؛ بل على الواقعية.

و لكن تجربة الأنين هي بالضبط ما تحاول المسيحية العصرية كثيرًا أن تساعدنا لكي نهرب منه؛ فإنجيل الصحة و الثروة يُميل شوقنا المشروع للشعور بالارتياح بتخطي الدعوة لتحمل الألم. وعندئذ، لا يصبح الإيمان هو الوسيلة لتعلم الرضا بغض النظر عن الظروف؛ بل بالحري إعادة ترتيب ظروف المرء للحصول على المزيد من الراحة.

يجب أن يُقال إن هذا الوضع مفهوم تمامًا،  نحن لا نحب أن نشعر بالألم، و ليس هناك ألم  أسوأ من مواجهة أناس ساقطيـن في الفـراغ الذي لا نستطيع نحن أن نملأه. إن مواجهة الألم تبدو سخيفة جدًا في الوقت الذي نستطيع فيه أن نهرب منه عن طريق الإنكار؛  فنحن لا نستطيع ببساطة أن نقنع ذواتنا بأنه من خلال طبيعة معوجة بسبب الخطية،  ينطوي الطريق إلى الفرح دائمًا على أسوأ ما يمكن تصوره من ألم داخلي. نحن نتمرد على تلك الفكرة. نحن لم نُخلَق للمعاناة من الألم. إن القدرات الجسدية  والشخصية التي نشعر بأن الله قد أودعها فينا قد قصد منها أن تقدم المسرات، كالصحة الجيدة والعلاقات الحميمة، وعندما تعاني عقولنا من التوتر و تنكسر قلوبنا بسبب الرفض نحتاج للراحة.  نحن نتوق أن نختبر ما خُـلِقنا للاستمتاع به بكل جوارحنا.


في وسط ذلك الأنين، فإن الفكرة بأن الراحة قد لا تأتي تصبح فكرة غير محتملة. . . إنها مريعة. كيف نستطيع أن نواصل العيش بالرغم من وجود الألم  في نفوسنا بسبب انحراف أبنائنا أو فتور مشاعر زوجاتنا؟ كيف يمكن للحياة أن تتـواصل مع زوج يتحيـن كـل فرصة ليكون دنيئاً فـي الوقت الذي يكـون مقتنعًا فيه ببره الذاتي؟ كيف نتعامل مع مرض بشع، ومع شعورنا بالذنب تجاه المرارة التي نشعر بها عندما نقوم برعاية والد مسن عاجز، وليس لنا سوى دخل ضئيل لا يسمح لنا بتقديم الرعاية الكافية؟


إن الرسالة المهدئة التي تقدمها المسيحية العصرية لتلك النفس التي تشعر بالاضطراب الشخصي تقول:  الارتياح متاح،  فإما أن العناصر المزعجة في عالمك سوف تستقر وتهدأ عندما تحصل على إيمان كاف،  أو أنه بإمكانك أن تصل إلى مستوى اختبار روحي يُـستـَبدَل فيه الكفاح للتعامل بنجاح مع الموقف بشبع النفس؛ فالإشباع متاح بطريقة أو بأخرى، وهو متاح الآن.

تقول المسيحية العصرية إنه في إمكاننا أن نحصل على الراحة التي نتوق إليها، يمكننا أن نتعـلم المطالبـة بالمـواعيـد  بمزيـد من الإيمان، ويمكننا أن نصنف الخطية بمقولات يمكن التعامل معها ثم نتجنبها بأمانة،  وبذلك نضمن البركات التي نشتهيها، ويمكننا أن نمارس أشكالا ً جديدة ً من التأمل، و يمكننا أن نصبح أكثر مشاركة ً في الأنشطة الكنسية ودراسة الكتاب المقدس، إنها تقول: «إن الشيء الذي نستطيع أن نفعله سوف يصل بنا إلى مستوى من الروحانية يساعدنا على استئصال الألم و الصراع كحقيقتين متأصلتين وناميتين.»

فالدعوة رائعة عندما تكون نفوسنا عطشى، يمكننا أن نحفر البئر الخاصة بنا جيدًا. يقدم القادة المسيحيون الجرافات و يشيرون إلى الأماكن المحتلة لكي نحفر فيها، ونحن نمضي قـُدُمًا لنفعل ذلك. برامج التلمذة، واستراتيجيات الكرازة، ونظم حفظ آيات الكتاب المقدس، والأنواع الجديدة من المجموعات، والتجارب الروحية الأكثر ثراءً، وتجديد العهود: وهكذا تمضي القائمة. هناك أشياء جيدة نفعلها، ولكن الطاقة المحفزة لممارستها تقدم غالبًا عن طريق التوقع بأني «قد وجدت الماء» الذي سوف يقضي على كل الظمأ. لا مزيد من الصراع، اليأس، أو الغم؛ فالسماء في متناول أيدينا الآن.

الأشواق العميقة و الاستراتيچيات الخاطئة



«شعبي عَمِلَ شَرَّيْن؛ تركوني أنا ينبوع المياه الحية ، لينقروا لأنفسهم آبارًا، آبارًا مشققة ً لا تضبط ماءً» ... هناك ملاحظتان يوحي النص بهما:


أولاً: الناس عطشى

مع أن حقيقة العطش العالمي ليست مذكورةٌ بصورة مباشرة هنا، فإنها مُسَلـََّم بها بوضوح. الإشارات المتكررة للقلوب العطشى في الكتاب المقدس، كما إلى حقيقة أن الناس قد خُلِقوا للاستمتاع بالشبع المتاح فقط في الله، تساند الفكرة القائلة بأن كل شخص عطشان... وجميعنا نتوق لما خلقه الله لكي نستمتع به: العلاقات الخالية من التوتر والمليئة بالقبول المتسم بالحب العميق، والفرص التي تُحدِثُ فارقاً في حياة شخص آخر. لاحظ بدقة أنه في نصنا هذا، يوحي الله بأن شعبه عطشان ولكنه لا يلقي عليهم باللائمة بسبب هذا العطش؛ فالمشكلة ليست في العطش، إن كلتا الخطيتين اللتين يوبَخ الناس على ارتكابهما لا تتضمنان حقيقة أن الناس عطشى.


ثانياً: الناس يتحركون في اتجاهات خاطئة استجابة ً لعطشهم

إنـهم يرفضون أن يثقوا بالله لكي يرويَ ظمأهم، وبدلاً من ذلك، يصرون على تولي زمام القيادة للبحث عما يروي ظمأهم. إنهم جميعًاً يتحركون هنا وهناك لإشباع أشواق قلوبهم بالتقاط جاروف، والبحث عن مكان محتمل للحفر فيه، ثم البحث عن استجابة يمكنهم أن يلتقطوها، ولتوضيح ذلك نقول إن الناس يريدون أن يديروا شئون حياتهم.


إن الإنسان الساقط مرتعب من هشاشة وضعه و ملتزم بالحفاظ على استقلاليته في نفس الوقت.

لقد اتخذ الجنس البشري منعطفاً خاطئاً و خطراً عندما استسلمت حواء لأكذوبة الشيطان بـأن المزيد من الإشباع متاح لو أنها أمسكت بزمام الأمور، وعندما انضم آدم إليـها في البحـث عن الحياة بعيدًا عن إرادة الله المعلنة أصاب كل نسله بمرض الإرادة الذاتية. الآن لا أحد يبحث عن الله في محاولة لكي يجد الحياة. إن الشيء الطبيعي بالنسبة لنا لما يجب أن نفعله هو أن نطور الاستراتيچيات لكي نجد الحياة التي تعكس التزامنا بالاعتماد على مواردنا الخاصة. إن الثقة البسيطة قد عفا عليها الزمن، لقد أصبحت الحماية الذاتية هي العرف السائد. يكشف الكتاب المقدس بشكل متناغم أن الناس عطشى و حمقى في نفس الوقت. نحن نتوق للارتواء الذي خُلِقنا لكي نستمتع به، ولكننا نبتعد جميعًا عن الله لكي نجده. إذن من الممكن أن تكون النظرة إلى الداخل متوقعة للكشف عن عنصرين مغروسين بعمق في قلوبنا و هما:

(1) العطش أو الأشواق العميقة لما ليس لدينا.

(2) التشبث بالاستقلالية المنعكسة في الاستراتيچيات الخاطئة للبحث عن الحياة التي نرغبها.

استهل  رجل جلسة المشورة بطلـب عاجل قائلا ً: » أريد أن أشعر

- خلال وقت قصير -  بأني أفضل حالا ً«، توقفت لحظة، ثم أجبته قائلا ً: » أقترح عليك أن تحمل علبة ً من مشروبك الكحولي المفضل، وتبحث عن بعض النساء المتعاونات معك، و تذهب إلى جُزر البهاما لمدة شهر«. الآن جاء دوره لكي يتوقف، حملق بشدة، مذهولا ً، ثم سأل:  »هل أنت مسيحي؟ « قلت: « لماذا تسأل؟ «أجاب: «حسنًا، تبدو نصيحتك غير كتابية«.

فقلت له: « إنها أفضل ما يمكن أن نفعله إزاء طلبك،  إذا كنت تريد حقًا أن تشعر أنك على ما يرام فوراً وتتخلص من أي انفعال كئيب، فأنا لا أوصيك باتباع المسيح. إن شرب الخمور، والملذات اللاأخلاقية سوف تؤدي عملها بشكل أفضل كثيراً. ليس إلى وقت طويل – بالطبع – و لكن على المدى القصير، فإنها سوف تعطيك ما تريد«.


إن الوعاظ في كل ربوع أمريكا يؤسسون محافل كنيسةً كبرى على أساس الوعد بالسعادة التي لا تشوبها شائبة الآن، فإن فهمنا الحديث للفرح المسيحي يتصور إثارة عارمة ً ونحن نواجه الحياة اليومية، واستمتاع بحميمية آمنة في مقتبل أعمارنا التي سوف تتوج بغبطة سماوية إلى الأبد.

ولكن كتَّاب الكتاب المقدس يرون الأمور بصورة مختلفة، إن الإيمان مطلوب؛ لأن الحياة يمكن أن تكون مربكة ً جدًا. إن الرجاء في يوم أفضل هو كل ما يمكن أن نتعلق به في تلك اللحظات الأمينة من مواجهة إحباطات الحياة، والمحبة هي الطريق الوحيد المؤدي لحياة تحقق مقاصد الله وتعطينا إحسـاسًا بالعلاقة مع المسيح والآخرين؛ الإيمان، الرجاء، والمحبة في وسط عالم عصيب، ذلك مفهوم مختلف عما نتوقعه من الحياة خلافـًا لوجهة النظر التي تعد بأنه بإمكاننا أن نكون دائمًا على ما يرام.

يتمكن عدد كبير من المسيحيين من جعل الحياة تسير في سهولة ويسر دون النظر بعمق إلى الألم الكامن في نفوسهم، والذين يلقون نظرة إلى ما بداخل نفوسهم ينهارون تحت وطأة ما يكتشفون.... لماذا إذن نلقي نظرةٌ إلى الداخل، إذا كان كل ما تحققه وعى أكبر بحزن لا يمكن تصديقه؟ فلم العناد؟ أليس من القسوة أن تُذَكـِّر مسافراً في الصحراء بمدى الظمأ الذي تشعر به حنجرته؟

نعم، إذا كان التأثير الوحيد لأن نصبح مدركين لعطشنا أن نضاعف من درجة بؤسنا، إذن فمن الغباء والخطأ أن ننظر إلى الداخل. ومن الناحية الأخرى، إذا كان الوعي بظمئنا هو بداية شركة أوثق بالله (الذي في يمينه مسرات عديدة)، ففي ذلك قدر كبير من المعقولية. إن ذلك يستحق أي ألم وقتي يثيره ذلك فينا، بغض النظر عما إذا كان الألم يبدو غير مؤقت أو حاد.


إن الخيار الذي أمامنا حاسم؛ إما أن نعيش لنكون مستريحين داخليًا و خارجيًا على السواء، و لكن داخليًا بنوع خاص أو نعيش لكي نعرف الله. لا يمكننا الحصول على الاثنين معًا؛ ذلك أن أحد الخيارين يستبعد الآخر.

في عالمنا هذا لا نستطيع تجنب ضرورة الألم و الصراع


التعامل مع الألم الضروري


عند الصلاة و تطبيق المبادئ الكتابية، لا تحاول أن تُصلح الموقف العصيب، فنحن متروكون للتعامل مع البؤس الذي يُسببه الألم في قلوبنا. فإن التركيز عندئذ ينتقل من تغيير عالمنا إلى تلطيف ألمنا،  ويبدو أن هذا التركيز هو شغلنا الشاغل في الوقت الحاضر. لا أحد سوى المراهق المثالي المتخرج حديثاً من كلية اللاهوت والشغوف بأن يعيش لله، يعتقد أن الحياة سوف تمضي دائمًا على ما يُرام. ولأن شيئًا ما يسير في الاتجاه الخاطئ حقًا في كل شئ، وأن الدليل على تلك الحقيقة يُلهب ظهورنا بالسياط من وقت لآخر، فإن واقع الحال يتطلب منا أن نهتم ليس فقط بالرجاء في أوقات أفضل ولكن أيضاً بتضميد جراحنا.


لقد تم ابتكار فكرة أن تعزية الله يمكن أن توضع على جراحنا كالمرهم الذي يخفف وطأة الألم، بينما يقوم ذلك بتقديم عملية شفاء تدريجية. إن اللغة المنمقة المستخدمة في التعبير عن حضور الله، خاصة ً في كتب ترانيمنا تتحدث أكثر عن بعض اختباراتنا. إن رسائل التذكير العميقة عن محبة الله، والنصائح بالتأمل في عناية يسوع، تقدم لنا قدرًا كبيرًا من العون شأنها في ذلك تقديم وصفات لتحضير الطعام للناس المنتظرين في طابور الطعام، إنهم يريدون الطعام وليس أوصافه.

في السنوات الأخيرة، قُدم قدرٌ كبير من العناية لتطوير طرق العثور على التعزية في الحق الإلهي.

إن الهدف من هذه الطرق و تلك الأشياء مثل التأمل الهادف أو شفاء الذاكرة (الشفاء الداخلي)، هو التخفيف من الألم بالتركيز العميق على التعزية دون الحقائق الهامة المهملة. ولقد تم انتقاد هذه الوسائل بقسوة على اعتبار أنها كثيرة الشبه بأفكار بدعة «العصر الجديد New Age» عن الأصوات الداخلية وما شابه ذلك، ولكن تأكيدها على التأمل بمساعدة التخيلات التي تعكس الحق الكتابي أمر مشروع. من الجميل أن تصور المياه الهادئة والمراعي الخضراء بالحضور القوي للراعي الصالح الذي يبدد كل شقاق ٍ وتمزق. من الملائم أن نجد العزاء في إدراك أنه حتى شعور رؤوسنا محصاة، ولكن ذلك لا يذهب بنا بعيدًا بما فيه الكفاية، من الممكن أن نركز انتباهنا على أشياء رائعة عن الله لكي نتجاهل الأشياء المريعة عن أنفسنا. فإن النساء اللواتي تم التحرش بهن واللواتي يتصورون يسوع بعمق ٍ واحترام وهو يعتني بهن حتى خلال تلك اللحظات التي تم فيها الاعتداء عليهن بقسوة (حسبما يقترح الشفاء الداخلي)، إنما يستخدمن تلك التخيلات لتجنب مواجهة تلك الرؤية عن أنفسهن والتي لا تزال تحرك تفاعلهن مع العالم الخارجي (بمعنى أنها تشجع على الإنكار).