لو عايز تكون

سامح سليمان ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

التسليم مشنقة العقل

 

إن أهم ما يميز الأنسان عن الحيوان بخلاف القدرة على المشى المنتصب على قائمين وأمكانية التعبير بأستخدام الكلمات المنطوقه والمكتوبه،هو التعقل والتفكير والأبتكار المتجدد الناتج عن الأدراك والوعى بالوجود والتفاعل القائم على الفكر فى رحلة السعى لتلبية أحتياجاته ومواجهة ما يعترضه من معوقات فى العالم المحيط به، وليس فقط مجرد تفاعل بيولوجى قائم على أشباع الغريزة والأحتياجات الاساسيه، فالأنسان هو الكائن الوحيد الذى له تاريخ وحضاره ومنتج علمى وأدبى يختلف من عصر لاخر، وطرق لمواجهة أى أخطار تهدد سلامته،والتكيف مع ما يطرأ على العالم المحيط به من أحداث تتغير بمرور الزمن وبتغير طبيعة الحياة، ولكن تتسبب مجتمعاتنا العربية فى أعاقة أستمرارية تطور الانسان و أرتقائه بسبب ما يحدث بها من تسلط وطغيان مجتمعى يتمثل فى تشويه وتزييف وتحجيم وتحديد وبرمجة شاملة ومكثفة لوعى الفرد منذ الطفولة وتوريثه توريثاً تلقائياً أجبارياً لكافة مفاهيمنا وأفكارنا وقيمنا ومرجعياتنا ومنهجنا فى التقييم والتصنيف والتحديد للصواب والخطأ والمقبول والغير مقبول،ومبادئنا وعقائدنا ومعتقداتنا دون أعطائه الفرصه لدراسة تلك الأفكار والقيم والمبادئ والعقائد والمعتقدات بحرية ومقارنتها بكافه القيم والأفكار والمعتقدات والعقائد الأخرى ، ورفضها ونبذها وتركها كافةً إذا أكتشف وتوصل الى أقتناع وقتاعه بأفضلية الأفكار والقيم والمعتقدات والعقائد الاخرى وأتاحة الفرصة أمامه لأعتناقها بدون أى تهديدات أو معوقات بل والسماح له بالدعوه الى ما يعتنقه والسعى الى أعتناق الأخرين لما يؤيده من عقائد وأفكار غير مهدده لسلامه الوطن والمواطنيين، أو تكونت لديه قناعة بفساد وتفاهة وسخافة وضحالة ما أجبرناه على أعتناقه وقمنا بتلقينه وتوريثه إياه من قيم وطريقة ومنهج ومرجعية للتقييم والتصنيف الاخلاقى ومفاهيم ورؤى وأفكار وتصورات عن الإنسان والحياة والكون، ومعتقدات ذات أصل أسطورى خرافى قبلى بدائى. بخلاف ما يحدث فى مجتمعاتنا من تقييد وقمع لحرية الفكر النقدى الغير مشروط ومنع الخروج عن دائرة المسموح والمقبول والخط المرسوم المتفق عليه والمعد سلفاً قبل ولادة الفرد نفسه بمئات السنيين، فمجتمعاتنا العربية ذات العقلية الأعتقادية الدوجماطيقية تبرمج الفرد منذ نشأته على النظر للأشياء بنظره ثنائية الأبعاد وتقييمها وتصنيفها على أساس مفاهيم مطلقه جامدة غير مرنه وغير نسبيه، بالرغم من أن كثير من الممارسات المحرمة والمرفوضة حالياً كانت مقبولة ومشروعة وتعد من الممارسات الطبيعية والمستحبة فى فترات زمنيه سابقة فى نفس المجتمعات، وكانت تُمارس بكل حرية وبلا أى غضاضة أو استهجان، لدرجة أن إتيان البعض منها كان لا يلقى من المجتمع المحيط به ألا التأييد والإطراء والإثناء على من يؤتيها بل وأحياناً كان يتم وصفه بالبطولة والأستحقاق للأفتخار ومازالت تمارس بحرية بدون منع أو تحريم فى مجتمعات أخرى أكثر تحضر ورقى وتقدم وعقلانية وثقافة ونضج فكرى وأزدهار علمى. إن ابشع جريمه يرتكبها البشر على مر التاريخ ـ ضمن جرائمهم المتعددة ـ بخلاف الإتيان بآخرين دون أختيارهم الى هذه الحياة العبثية القميئة لكى يقاسمونهم الحيرة والخوف والألم، هو قتل فطرة الإنسان منذ طفولته ومجيئه غير الأختيارى للحياة، وهذه الفطرة هى التساؤل والسعى نحو معرفه أصل كل شئ ، بأعطائه أجابات جاهزه مقولبة قد توارثوها على أنها هى الحقيقة الجلية الصافية والصواب المطلق والنموذج الصحيح، ومعاقبة كل من يبدى رفضه أو شكه أو اعتراضه أو حتى عدم رضاه أو عدم أكتفاءه بما تم تقديمه من أجابات وحلول فالاتفاق والتعريف الدائم لمجموعه من الأفكار والقيم والمعتقدات والمرجعيات والنظم الأجتماعية والتقييمات والتصنيفات الأخلاقية والرؤى والتصورات عن أصل وطبيعة الأنسان والحياة بأنها هى الحقيقة المطلقة والصواب الدائم هو حكم ضمنى بالموت على العقل، لأنه يؤدى لتحجيمه وتقزيمه وتحديد التفكير وتقييده وإلزامه بعدم الخروج عن أطر فكريه معينة ربما قد أنتهت صلاحيتها منذ أمد بعيد.

فلا يوجد ما يسمى بالحقيقة الصافية الخالصة المطلقة ، ولكن توجد ظلال وأشباه الحقائق، وليس من الممكن الوصول إليها إلا ببذل الجهد لمعرفة وأستكشاف أبعادها المختلفة وتحمل الأقتراب منها والأحتراق بلهبها. فللحياة أشكال كثيرة وللحقيقة أوجه متعددة وأكثر من زاوية لرؤيتها ـ هذا إن وجدت من الأساس ـ فالأنسان محكوم بدرجه كبيرة بجيناته التى قد تورارثها عن والديه وأجداده ومجتمعه وشعبه وأيضاً محكوم بما عرفه وقام بتحصيله وتوصل إليه ووصله من أفكار سائدة فى مجتمعه وعصره والحقبة الزمنية التى ألقت به إليها صدفة الميلاد، وأيضاً ما لم تقمعه وتهدره وسمحت المجتمعات البشرية على مدار حقبها الزمنية بوصوله من أفكار ومعتقدات وأطر قيمية.

واخيراً: (هل تعيش حياتك أم تعاش من خلالها، هل تعيشها كما تريد أم يعيش الأخرين حياتهم ويحققون ذواتهم فيك ومن خلالك؟)

 

سامح سليمان