نظرة جديدة للحياة مع المسيح

أمل سمير ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

نظرة جديدة للحياة مع المسيح

 

في الحياة المسيحية أو في الحياة مع المسيح انتقالنا من مجد إلي مجد ومن قوه إلي قوة وان تكون حياتنا في الارتفاع فقط ليس معناه أن نحيا حياه منتصرة علي طول الخط – إذا كان مفهوم النصرة هنا هو التمتع بالراحة والفرح والسلام بدون وجود أي آلام أو منغصات للحياة.

دعوني أشارككم ببعض ما توصلت إليه  في جلستي مع نفسي أمام الله وقد كان بمثابة مفاجأة لي قد جعلتني أغوص في تفكير عميق وأنا لا اشك أنني كنت في محضر الله في هذا الوقت

شعرت فجأة بأنني فهمت الحياة مع المسيح خطأ فهمتها طوال سنوات عمري السابقة بطريقة اعتقد أنها غير ما قصدها الله. عند هذا الحد قد تبدو المشكلة بسيطة وهي لا تتعدى كونها مجرد سوء فهم من شخص ما وسيعيد طريقة تفكيره وانتهت المشكلة – ولكن للأسف أنني اكتشفت أن المشكلة اكبر من هذا بكثير بل صدقوني إن قلت أنها مصيبة كبيره بكل المقاييس فهي ليست مشكلتي أنا وحدي بل هي مشكلة عدد كبير من المسيحيين الذين يطلق عليهم مؤمنين فقد فهمنا ونُقِلَ إلينا عن طريق قادتنا والوعاظ ورجال الدين أن الحياة المسيحية أو الحياة مع المسيح هي الحياة الوردية  الحياة الممتلئة بالبركات الروحية والزمانية، الحياة التي لا يوجد فيها عوز أو احتياج  الحياة الخالية من الآلام وللأسف فسرنا كل آيات الكتاب المقدس لتدعم هذا الفكر وتؤيده، فمثلا أتيت لتكون لهم حياه وليكون لهم أفضل مفهوم الأفضل هنا هو الأفضل مادياً ونفسياً وروحياً أيضاً ولكن بمقاييس العالم حولنا يعنى الشخص يكون له علاقة كويسة مع ربنا وطبعا يكون له الأفضل بحسب المفاهيم السائدة من حولنا يعنى شقه أو فيلا فخمة وعربيه مريحة بها كل الكماليات وشغل كويس ومفيش مانع  من شاليه في مارينا وما إلي ذلك من متطلبات الوجاهة الاجتماعية بالإضافة إلى خدمة ناجحة طبعا في الكنيسة وصدقوني ان هذا الكلام ليس من وحى خيالي بل قد سمعته من قاده مسيحيين أو يصنفون في كنائسنا كمؤمنين.

ويملأ الهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد تفسر علي أن كل طلباتنا تكون مسدده بالكامل ونعيش في رغد ورفاهية، أي أن الحياة مع المسيح باختصار هي حياه فول أوبشن دون التفكير للحظه في ماذا كان يقصد الله بالأفضل أو ما الذي كان يقصده بكلمة احتياجاتكم عندما تكلم عن ملء هذا الاحتياج؟

ما الذي كان يقصده بالقوة والمجد والارتفاع  عندما وعد بكل هذه الأمور؟

وعند هذه النقطة أصبت بصدمه حقيقية، اكتشفت أن كل هذه المفاهيم في داخلي مغلوطة وليست حقيقية وأنها منقولة إلينا عن طريق العالم المحيط بنا ومفاهيمه الخاصة به.

والصدمة التالية والأقسى هي أننا بما أننا لم نفهم ما قصده الله بالحقيقة، فنحن للأسف لم نعرفه أو نفهمه هو شخصياً.

في اعتقادي أن الحياة مع المسيح لا تخلو من الآلام وفي مسيرتنا معه كأبناء لله نتعرض لفترات من الضعف والفتور كما نتعرض للآلام والأحزان الشديدة والصراعات التي قد تنتج من عدم انسجام طبيعتنا القديمة أو الجسدية مع طبيعتنا الجديدة أو الروحية. فنحن لا نتخلص من الطبيعة القديمة والفاسدة بمجرد قبولنا للمسح في حياتنا وحصولنا علي طبيعة روحية جديدة بل يحدث صراع داخلي شديد بين الطبيعتين كما هو موجود في روميه 7. كما قد نعانى من ضغط وثقل احتياجاتنا – سواء المادية أو النفسية أو العاطفية الغير مسدده  - علي أرواحنا فنجد أنفسنا نئن بداخلنا نحزن ونكتئب ونشعر بالألم الشديد.

وهنا يبرز السؤال، لماذا؟؟؟

وتبرز أيضاً الشعارات الروحية الرنانة.

لماذا تحزن؟ لماذا تتألم؟  لماذا تكتئب؟

مش انت شخص مؤمن  لماذا تشكو أو تتألم من ضغط احتياجاتك  مش المسيح بيسدد كل احتياجاتنا؟

وهنا يحدث التشويش!

هل الحياة المسيحية هي الحياة السوبر  أو الحياة الـfull options ؟ وهل قبولي للمسيح في حياتي معناه أن حياتي تم لمسها بالعصا السحرية فستتغير فجأة إلى حياة سحريه لا يوجد بها أي مشاكل أو آلام أو منغصات؟

وان كانت هكذا فلماذا عبر الرسول بولس في فيلبى 1:23 "إن لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً."؟ لماذا قال في روميه 8:23 "بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا"؟

ولماذا تكلم عن الضيقة التي إصابته في أسيا قائلاً: "من جهة ضيقتنا التي أصابتنا في أسيا أننا تثقلنا جدا فوق الطاقة  حتى أيسنا من الحياة"؟ أيضاً، ألا يعتبر هذا نوع من الحزن والاكتئاب الشديد الذي قاد القديس بولس إلى أن ييأس من الحياة فعلاً؟

هل هذا معقول ألست مؤمناً يا بولس؟ إذن كيف تيأس من الحياة؟

 

لماذا يُكرَز دائما في كنائسنا بالمسيح كأنه سوبرمان الذي يصنع الأمور الخارقة في حياتنا أو سانتا كلوز الذي يأتي بالهدايا إلينا، أو كأن من يقبل المسيح في قلبه وحياته قد امتلك مصباح علاء الدين الذي يحقق له كل أحلامه....

ولماذا نفسر الآيات في الكتاب المقدس لتدعم هذا المعتقد؟

فلو نظرنا إلى حياة المسيح نفسه كما تم نقلها إلينا من خلال الأناجيل الأربعة هل فعلا كانت حياه مريحة سهله كلها رفاهية ونجاح بحسب مفاهيم عالمنا اليوم ، كذلك تلاميذه هل فعلا عاشوا أغنياء ومرفهين لا توجد لديهم أي مشاكل وكل طلباتهم التي تخصهم شخصيا كانت مسدده ومستجابة؟

ألم يطلب بولس بل ويتضرع بل ويلح (ثلاث مرات) لأجل أن يزيل الله شوكته في الجسد

فهل استجاب له الله وأزال الشوكة؟

دعونا نعيد التفكير في معتقداتنا الروحية التي سمعناها وتعلمناها وغرست بداخلنا فضللنا أولا وقد نكون ضلّلنا بها آخرين.

ومع ذلك إنا لا أنكر أن الله قصد أن تكون حياتنا فعلا في الارتفاع فقط وليست في الانحطاط وان ننتقل من مجد لمجد ومن قوه لقوه وان تمتلئ حياتنا بالفرح الذي لا ينطق به ومجيد والسلام الذي يفوق كل عقل..... ولكن يلزمنا هنا أن نفهم وندرك ما هو الارتفاع الذي قصده الله لنا وما هو المجد والقوه اللذان قصدهما وما هي طبيعة الفرح والسلام التي قصدهما وأسبابهما وكيفية الحصول عليهما.

الآن قد بدأت أن أدرك أو اعتقد ذلك؛ أن الارتفاع والمجد والقوه التي كان يقصدهم الله هم غير ما نفهمه نحن بحسب مفهومنا البشرى والعالمي الذي رسخ في أذهاننا نتيجة وجودنا في هذا العالم والمجتمعات التي نعيش فيها والتي وضعت معاني ومقاييس مختلفة صدقناها وأمنا بها وبالتالي فسرنا كل كلمات الله وآيات الكتاب المقدس طبقا لما تعلمناه في عالمنا الذي نعيش فيه والذي للأسف يختلف تمام الاختلاف عن مفاهيم الله ومقاييسه، كما أن الفرح والسلام الذي قصدهما يختلفا تمام الاختلاف عن ما نفهمه نحن من خلال خبرتنا في الحياة في هذا العالم.

 

فيا ليتنا نأتي اليوم مع بولس وتكون صرختنا ... لأعرفه.... ونبحث بلهفه وشغف علي كل ما يساعدنا علي معرفته شخصيا أكثر وكلما عرفناه أكثر فهمنا ماذا يقصد  واستطعنا أن نفسر ما قاله بحسب رؤيته هو.  وفي هذا الصدد أحب أن أقول أنى اعتقد أن ما يساعدنا أكثر علي النمو في معرفته هو الضيقات والآلام والأحزان التي قد نجتازها، فدعونا نرحب بها فمن خلالها قد نتعرف علي ذواتنا أكثر فندرك كل يوم خوائنا واحتياجنا له أكثر، فلا يوجد مثل الألم قد يكشف لنا عن حقيقة ضعف نفوسنا وبالتالي نتضع أكثر وأكثر ونجرى إلى أحضانه ونتعلق به أكثر طالبين فعلا معرفته.

فدعونا نقبل حقيقة أن الألم في حياتنا هو حتمي لا مفر منه وان الضعف حقيقي وموجود

ودعونا نتخلص بالتدريج من الشعارات الرنانة التي لا تقودنا إلا إلى خداع أنفسنا وتخيل حياه مسيحيه غير حقيقية بل هي من صنع خيالنا وتبتعد بنا عن احتياجنا الحقيقي والملّح، وهو معرفته.

 

 

أمل سمير

القاهرة - أغسطس 2010