الحركة الأولى

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

الحركة الأولى

(عن المبادرة)

 

جالساً في غرفتي رباعية الجدران أحادية البشر لانهائية ذرات أكسجين الهواء، أرمق ساحة الشطرنج، أتأمل فريقي، الأسود السود، وفريق الخصم الفهود البيض، أحك ذقني في تفكير عميق، والخصم، الحياة، يتأملني دون أن يتواجد معي في المكان، من فوق المقعد الفارغ، يرمقني كالهواء المحيط بك الذي يرمقك الآن. الخصم هو الحياة..

صمتت الحياة ولم أفهم سكوتها، هل هو ترقب لحركتي القادمة، أم عدم اكتراث، هل شماتة فيّ، أم رثاءً لحالي؟ وأخيراً تكلمَتْ:

-ألن تلعب؟

-أفكر.

-تفكر في ماذا؟!

-في لعبتي القادمة.

-لم تمر في المباراة سوى لعبتي الأولى، لقد حركت عسكرياً فقط للأمام خطوتين.

-أفكر في افتتاحية، أو في أفضل لعبة بداية.

-لكن الكثير قد مر من وقت المباراة.

-لا عليكِ. إنه وقتي أنا، وأنا المتحمل، إنها حياتي.

-ما فائدة الانتظار يا صديقي؟ كل من حولك قطعوا أشواطاً.

-لكنهم فقدوا قطعاً.

-لو خفت من فقدان القطع فلن تلعب.

-إنني أتخيل الحركات في ذهني.

-لكن ما تتخيله ليس على أرض الواقع.

-التخيل سيصبح حقيقة، والتخيل ضروري كيلا أخطئ.

-لكن تخيلاتك لم تصبح حقيقة أبداً. لأنك تخاف الفشل، تخاف فقد علاقة فلا تغضب الآخر، تخاف الرفض فترفض بدء علاقة، تخاف رد الفعل فلا تقدم على الفعل، وبهذا تفرض الأسر على نفسك المسكينة.

-أنا أبغي المثالية.

-أنت تبغي تاريخاً نظيفاً بلا أخطاء والمقابل أنك لم تصنع أحداثاً من الأساس والأحداث التي صنعتها نتاج حياتك السقيمة التي تدعي فيها الحياة وفق معايير خيالية لا تتقابل مع حياتك الحقيقية، أعني أنك تدعي الحياة التي عشتها ولم تعشها حقاً.

-هذا صحيح. أنا لا أبغي تلويث الرقعة.

-لكنك لو لم تلوثها لن تتعلم ولن تعيش..

-لا أريد أن أؤلم آخر، من الأفضل أن أؤلم نفسي بدلاً منه.

-لو لم تؤلم الآخر فلن تعتذر له ولن تصل لبقعة من التفاهم والحميمية والإحساس الحقيقي بالآخر، ولو فضلت أن تكتم الأمر في قلبك كيلا تغضبه، فلن تنفعه ليدرك خطأه ولن تجعله يقابل نفسك الحقيقية، ولن تصدق صديقك وتعطه حقه في الحياة.

-ربما تكون على حق.

وحركت العسكري، فأكله، الأمر الذي اضطرني للصياح:

-لا، لا، لقد سرعتيني، فضعت.

قالت بابتسامة:

-إنه مجرد عسكري، أنت لم تفقد وزيراً، ولم تخسر المباراة.

قلت في مرارة:

-إنها خسارة.

قالت مواسية:

-تعلم من أخطائك، لن تفقد مثله في المستقبل لو غيرت من طريقة تفكيرك التي جعلتك تفقده.

ابتسمت قائلاً:

-سأحول الخسارة لمكسب أيتها اللعينة.

-ها قد فهمت.

تقدمت قواتي تحتل مساحات من الرقعة.. شعرت بالتحدي، دغدغتني المغامرة، تلاحمت قواتنا وتنافرت.. وأمتعتنا لذة المنافسة.. واستمر الدور حاراً حتى..

-كش مات.

-ما هذا؟! لقد خسرت.

-وماذا ظننت؟

-تمنيت لو ربحت.

-لا تنزعج.. ومهما حدث لا تترك الرقعة..استمر في اللعب.

-ما كان عليّ أن ألعب! لقد خسرت. ضاع كل شيء.

-لم يضع شيئاً. غاية ما هنالك أنك تعلمت دروساً أتمنى ألا تنساها المباراة القادمة.

-أهناك المزيد من المباريات؟

-هناك ما يفوق توقعك. فقط استمر في التواجد في قلب الرقعة.

-لقد عاودني الأمل.

-هيا خذ حركتك.

-لو لم أبدأ اللعب فربما مكثت على حالي كما أنا حتى الآن دون لعب.. أنا سعيد من أجل هذه النتيجة فحسب.

-يمكنك دائماً التمرن معي، ولا تنسى أنه يمكنك قراءة كتب للتعلم ولمحاكاة الخطط ولمشاهدة المباريات العالمية السابقة.

-سأستعد لكِ بكل الطرق الممكنة.

-فلنلعب.

-وليكن.

 

عماد ميشيل

28يونيه2010