ذنوب الأباء ومسئولية الأبناء

ذنوب الأباء ومسئولية الأبناء
  • اسم المؤلف مشير سمير
  • الناشر مشير سمير
  • التصنيف مشورة وعلم نفس
  • كود الاستعارة 136/2

هذا الكتاب يقدم دراسة سيكولوجية متخصصة في نشأة الاضطرابات النفسية لدى الشخص، والتي يتحمل الوالدين الجزء الأكبر من المسئولية الأدبية والأخلاقية عنها.
ولكن..
هل هناك مسئولية تقع على الأبناء؟ وما هي تلك  المسئولية، وكيف ومتى تتحدد؟
هل يظل الإنسان ضحية للتشكيلات النفسية والفكرية المؤذية التي صنعها الآباء في الصغر وتبدو ملازمة لهذا الإنسان طوال حياته؟
هل من مخرج من هذا المأزق الإنساني؟ وكيف؟
تلك هي الأسئلة التي يناقشها هذا الكتاب.

ويتم تقديم مادة هذا الكتاب، كجزء أساسي في منهج المشورة المسيحية، تحت عنوان "الصورة الذاتية: كيف تتشكل شخصية الإنسان وتنشأ اضطراباته النفسية."

نبذة مختصرة عن الكتاب بقلم المؤلف:

أرجو أن أنفي أي انطباع بأن استخدامي للتعبير الكتابي "ذنوب الآباء"، المأخوذ من (خروج 20: 5)، كعنوان لهذا الكتاب يعني أن هذا كتاب لاهوتي؛ فهذا الكتاب لا يُناقش أية أفكار لاهوتية إنما استخدمت هذا التعبير كناية عن تحمّل الوالدين المسئولية الأدبية والأخلاقية عن الكثير من الأضرار النفسية التي تلحق بأطفالهم في الصغر، سواء عن قصد أو غير قصد منهم، ويستمر تأثيرها مع هؤلاء الأبناء ربما طوال العمر فيما بعد. وقد يكون هذا، بالفعل أحد الأوجه التي تمكننا من فهم الآية السابقة.

ولعل خير مثال على الأضرار التي تلحق بالأطفال في صغرهم ما ترويه قصة "وليم" وابنه "سمير". إذ كان "وليم" شخصاً رقيقاً مهذباً نشأ في طفولته مع أسرة مُحبة ومتناغمة. إلا أن قراره الخاطئ بالزواج من "فايزة" قد لعب دوراً أساسياً في تغيير مسار حياته المستقبلية كلها. فقد كانت "فايزة" مصابة باضطراب نفسي مقنّعاً بستار من الدبلوماسية واللباقة والنجاح. فقد كانت "فايزة" شخصية "نرجسية"، بمعنى أنها غير قادرة على الشعور بالآخرين أو التعاطف معهم على الإطلاق، نتيجة لنشأتها مع والدين مضطربين متحدرين من عائلتين لهما تاريخٌ من المرض العقلي وما كان يجب أن يتزوجا أصلاً وبالتأكيد ما كان يجب أن ينجبا على الإطلاق. فنشأت "فايزة" غير قادرة على التعامل مع الآخرين إلا من خلال "تشييئهم" أي رؤيتهم كأشياء وأدوات لخدمة ذاتها التي تملأ عالمها بالكامل تماماً دون أي مساحة ولو ضئيلة لرؤية شخص آخر سواها. فغدت شخصية قاسية ومتسلطة، شديدة الاستغلال، دائمة المطالبة بالاهتمام بها والعمل على تلبية مطالبها، تتميز بالمناورة والابتزاز العاطفي للآخرين وتوجيه اللوم والنقد والاتهام لهم، وذات ميول استحواذية خانقة.

لكن وليم - كغالبية البشر- لم يستطع أن يرى ذلك الاضطراب فيها حين اتخذ قرار الارتباط!

بعد سنوات من الزواج من "فايزة" وإنجاب الأطفال أصبح "وليم" شخصاً عصبياً، شديد الاكتئاب، سريع التوتر، غير قادر على احتمال التعايش مع قسوة وعجرفة "فايزة" وتبلّد مشاعرها، وبالطبع غير قادر على الإطلاق على تحمل المزيد من الصراخ والمطالبات من أطفاله الثلاث. فصار غائباً تماماً عن البيت صباحاً ومساءاً، منغمساً في عمله ليس فقط لكي يوفر الحياة لمن أتى بهم إلى تلك الحياة من أبناء بل بالأصل لكي يتفادى العودة للمنزل قبل أن ينام الجميع. فكان الأبناء لا يرون أباهم سوى يوم الإجازة الأسبوعية والذي عادة يكون بمثابة الجحيم لهم من جراء المشادات والصراخ بين الوالدين والذي ينصب في النهاية عليهم في عملية حمقاء من "الإسقاط" يقوم فيها الوالدين بطرح كل اضطراباتهما ومعاناتهما على الأبناء الضحية في جميع أشكال الإيذاء البدني والمعنوي.

أما باقي أيام الأسبوع، فكان الأطفال يُتركون فريسة بالكامل لاضطراب الأم وكل خواص نرجسيتها القاتلة أربع وعشرون ساعة باليوم دون رأفة أو إحساس. وهنا نرى كيف أن اضطرابات الآباء (والديّ "فايزة") تنتقل إلى الأبناء ومنهم إلى الأحفاد، وهلم جرا.

ولن نحتاج للحديث هنا عن أخوة/أخوات "سمير"، لا لنجاتهم من الاضطراب ولكن لأنهم ليسوا في موقع البحث، فيكفينا الآن الحديث عن الابن الأوسط "سمير" الذي لم يدرك شيئاً من هذا في طفولته المبكرة أو يفهمه، ولكن كل ما كان يراه ويختبره هو أمواج من الصراخ، وقليل من الضرب في بعض الأحيان، والكثير من اللوم والتوبيخ والتأنيب في انفجارات غير متوقعة تنصب على رأسه فجأة من أحد والديه كما لو كان قد ارتكب جريمة شنعاء يُعاقب عليها دون أن يعرف ماهيتها. مما أصابه بالذعر والخوف والهلع علاوة على الإحساس بالذنب والخزي من جراء الجريمة التي لم يرتكبها ولم يعرفها. كل هذا أدى به لاحقاً إلى الانكماش في ذاته التي صار يكرهها ويشعر بسوئها دون سبب واضح، فلا يستطيع الثقة بنفسه ولا بالآخرين ولا بالحياة كلها. وبالطبع لم تفارقه هذه الأحاسيس والانطباعات عن نفسه أبداً فيما بعد، إنما مع السنوات بدأت تترسب في أعماق عقله ووجدانه فلا يراها مباشرة وإنما تبقى دائماً هناك.

والآن، وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً، يأتي "سمير" شاباً في أوائل الثلاثين من العمر، وهو شخص مسيحي (مؤمن) صادق لطلب المشورة مؤرقاً من الأمور التالية والتي تعذبه وتؤلمه دون أن يدري لها سبباً على الإطلاق:

1-           عدم الثقة بالنفس.
2-           الإحساس بأنه أقل من الآخرين جميعاً.
3-           الإحساس بالوحدة والعزلة والضياع.
4-           الإحساس بأنه غير محبوب بل ومرفوض من الآخرين.
5-           الإساس المستمر بالذنب والتقصير تجاه كل شئ تقريباً، كذلك تجاه الله أيضاً.
6-           الانتقاد الدائم للذات واحتقارها.
7-           الغرق في الشفقة على النفس.
8-           الخوف ممن هم أكبر سناً.
9-           عدم القدرة على مواجهة من يتعدون عليه أو يخطئون في حقه.
10-     عدم القدرة على رفض أي طلب يُطلب منه.
11-     الرغبة الشديدة في الحصول على رضا الآخرين ولو على حساب نفسه.
12-     التعلق العاطفي الزائد بأصدقائه وعدم القدرة على التواجد بمفرده.
13-     الحساسية الزائدة في العلاقات والرغبة المستمرة في الحصول على الاهتمام، والإحساس بالغيرة والرغبة في الانزواء عند افتقاد اهتمام الأصدقاء به.
14-     الشعور بالإحباط والاكتئاب معظم الوقت.
15-     الرغبة في إيذاء نفسه، والتفكير في الانتحار.
16-     الرغبة في الانسحاب من الحياة، أو البدء من جديد.
17-     التوتر الشديد والقلق السريع.
18-     الشره والهروب من الوحدة والاكتئاب عن طريق الأكل.
19-     المعاناة من عسر الهضم واضطراب القولون العصبي.
20-     صعوبة التواصل مع الله على المستوى الشخصي.

كل ذلك، ناهيك عن الحديث عن زواج "سمير" وأبنائه (الجيل الرابع في العائلة الكبيرة) الذين بدأت تظهر عليهم دلالات القلق العصبي والتوتر والإحساس بعدم القبول والرفض جراء الافتقار للحب الذي لم يستطع "سمير"، وزوجته فيما يبدو، على منحه إياهم أثناء طفولتهم المبكرة.

أحد أهم أهدافي في هذا الكتاب، خاصة في الفصول الثلاثة الأولى، أن نستطيع أن نفهم جيداً كيف يصل شخص مثل "سمير" - بسبب البيئة المنزلية التي نشأ بها- إلى ما قد وصل إليه من ألم ومعاناة. وإن كان أشد ما يؤلم، حقيقة، في قصة "سمير" ليست الشكاوى العشرون التي يعاني منها في الثلاثينيات من عمره، إنما واقع أن بعض هذه الشكاوى والآلام سوف لن يفارق سمير ربما طيلة حياته كلها، لما قد غرسته أسرته المضطربة مبكراً في شخصيته، وهذا أيضاً أمر أود أن أوضحه من خلال هذا الكتاب!! وأنا أعلم أن هذه الحقيقة سوف تثير البعض ممن لديهم الاقتناع الروحي الخاطئ القائل بأن الإنسان المسيحي لا يجب أن يعاني من مثل هذه المشاكل النفسية متى كان مؤمناً حقيقياً وابن للرب، أو على أسوأ الافتراضات انه لابد وحتماً يستطيع أن يتخلص من مثل تلك المتاعب والاضطرابات كلها في المسيح متى صلى مؤمناً وواثقاً، وإلا كانت هناك مشكلة ما في إيمانه وثقته بالرب. وهذا بالطبع اعتقاد لاهوتي خاطئ وفاسد أود أن أناقشه بالتفصيل يوماً ما في كتاب آخر، إذ أنني وعدت أن كتابي هذا لن يكون كتاباً لاهوتياً.

وفي أثناء مراجعتي الأخيرة لمادة هذا الكتاب، اطلعت على خبر كانت قد نشرته جريدة "أخبار اليوم" الصادرة في القاهرة بتاريخ السبت أول أغسطس 2009 في صفحتها الثانية. يقول الخبر أنه تم توجيه تهمة الإهمال الجنائي إلى أم أمريكية تركت ابنها البالغ من العمر 14 سنة يسمن حتى صار وزنه 250 كيلو جرام. وعلى الفور ذهبت إلى أوراقي لأضيف هذه الأسطر، إذ رأيت ضرورة الإشارة والتوكيد على ما يقوله لنا هذا الخبر عن مسئولية الوالدين عن الكثير مما يعاني منه الأبناء، حتى وإن كانت هذه المسئولية غير قضائية في بعض المجتمعات وإنما بالتأكيد هي مسئولية روحية وأدبية أمام الضمير الإنساني وأمام الله الديّان نفسه.

لاحقاً، طالعت الخبر التالي أيضاً في أحد صحفنا المصرية (جريدة الأهرام اليومية، بتاريخ 25 مارس 2010)، والذي يضرب لنا مثالاً صارخاً عن ذنوب الآباء ومسئوليتهم تجاه الاضطرابات الساحقة التي يسببونها لأطفالهم. يقول الخبر:

"بسبب والدته .. تلميذ يشنق نفسه..

"لم تتوقع الأم أن توبيخها لطفلها ومعايرته بالتعثر في الدراسة سوف يجعله يقدم على الانتحار شنقاً ليتخلص من حياته‏.. ولكن هذا ما حدث بالفعل في إحدى قرى المنيا. حيث تلقي مدير أمن المنيا بلاغا من نائب مأمور قسم شرطة المنيا بمصرع الطفل "م. إ." ‏12‏ سنة الطالب بالصف السادس الابتدائي بعد العثور عليه مشنوقاً داخل إحدي غرف مسكنه‏.‏ وتوصلت التحريات إلى أن والدة الطفل ‏53‏ سنة ـ أرملة ـ ولديها ‏5‏ أبناء عايرت نجلها أصغر أبنائها بالتعثر في الدراسة فتركها ودخل غرفته بعد أن احضر حبلاً وقام بربط الحبل في نافذة الحجرة وقام بلفه حول رقبته ثم قفز من أعلى السرير المجاور للنافذة ليلقي مصرعه شنقا‏ً.‏ وأكد تقرير الطبيب مفتش الصحة أن سبب الوفاة إسفسكيا الخنق بالحبل."

لقد شرعت في تدوين المادة التي كوّنت هذا الكتاب منذ أكثر من ثماني سنوات تلت سنوات كثيرة من خدمتي في مجال المشورة، وفي وقت كان فيه ثمة تحول فكري جذري يأخذ مجراه بداخلي تجاه بعض اليقينيات التي كنت أعتقد بها آنذاك بشأن مشكلة الإنسان وكيفية التعامل معها. وأنا لست أدّعي بأني قد وصلت لفهم شامل متكامل بما يُشكِّل منهجاً نهائياً في هذا المضمار. إلا أنني مع ذلك أرى أهمية طرح أفكاري هذه الآن في هذا الوقت، ومشاركة أفكار معلميّ مَن قرأت لهم وتعلمت منهم، أمام القارئ العربي لمساعدته على المزيد من الفهم لمشكلاته الشخصية. وأنا متأكد من أنها سوف تكون ذات فائدة غير قليلة لكل من يقرأها ويتناولها بعناية.



مشير سمير


أما محتويات الكتاب، فهي كالتالي:

الفصل الأول: مراحل نمو الإنسان وتحديات الحياة، أو كيف تتشكل الشخصية
الفصل الثاني: الاحتياجات النفسية للإنسان في الطفولة المبكرة
الفصل الثالث: التعلق الآمن
الفصل الرابع: الصورة الذاتية للإنسان، أو مفهوم الذات
الفصل الخامس: الإساءة إلى الطفل
الفصل السادس: نتائج فقد الحب وتشوه أنماط الشخصية
الفصل السابع: كيف نرى ونفهم مشاكلنا؟
الفصل الثامن: الطريق إلى التغيير
الفصل التاسع: العالم الداخلي للإنسان - "النظام أو البناء الفكري"

وأخيراً الملاحق:
ملحق (1): قبول الضعف والتصالح مع ما لا نستطيع تغييره.
ملحق (2): الجهاز العقائدي وتشكله.

بالإضافة إلى استبيان شخصي سري عن إيذاء الطفل