المجتمع ومعاداة التغيير

سامح سليمان ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

المجتمع ومعاداة التغيير

 

إن الكثير مما نؤمن بصحته مهما كانت أهميته وأقدميته، ليس إلا صناعه بشريه، فالمجتمع هو الخالق لمعظم المعتقدات والأيدلوجيات . كالأخلاق فهى نتاج بشرى لمجموعه من المفاهيم،تراكمى نسبى متغير بتغير الظروف التى أدت لتشكيله وصياغته،أكتسب بمرور الزمن أعتقاد بأمتلاكه لجوده وصلاحيه دائمه نتيجة شيوع فكرة أنتسابه وأنتاجه من قوه علويه،لدى بعض المجتمعات العاشقه للتحجر والجمود.  الأخلاق هى منتج مجتمعى أبتكرته وأرتضته العقليه الجمعيه،لأسباب سياسيه وأقتصاديه وثقافيه وأجتماعيه ليكون مقياس للحياه الصائبه.  أو هى المبادئ والقواعد التى يجب على الفرد أتباعها ليحيا حياة صحيحه بحسب أرادة ورؤية القائمين على أدارة المجتمع وصياغة بنيته المعرفيه وتشكيل وتوجيه الرأى العام،أى هى ما تم التسليم بجودته وبمنطقيته كمنظومه قيميه والأتفاق على صواب ممارسته من سلوكيات. نحن بحاجه ملحه لألغاء ما قد أنتهت صلاحيته من مرجعيات، وأعادة مراجعه وتكوين وصياغه للمنظومه الفكريه والقيميه والأخلاقيه السائده والمعتمده والمسلم بها فى مجتمعاتنا بحسب ما هو معترف به من نظريات علميه ونظم قيميه وأجتماعيه محدده لشكل العلاقات فى المجتمعات العقلانيه المتحضره. يجب أن لا ننسى أن جميع الأديان الأبراهيميه التى يدين بها أكثرية سكان منطقتنا العربيه كانت توصف فى بدايتها بالكفر والضلال واللامنطقيه،وكان المجتمع أنذاك يتهم مؤسسيها بالخيانه والمروق والعصيان وإتباع الشيطان وأزدراء  قيم وتقاليد وأعراف الأباء والأجداد وهدم الثوابت، ولكن بعد أنتصارها وأمتلاك معتنقيها للقوه والسلطه، أصبح كل ما سبق أو لحق بها من أفكار  ومعتقدات يعد كفر وضلال وهدم للثوابت،ويجب محاربة أتباعها وأستئصالهم،وتجريم الدعوه اليها وعرضها لأزالة أى سوء فهم أو مغالطه، أو الدفاع عنها تجاه ما يوجه لها من أتهامات،هذا بالرغم من دعوة الأديان بدرجةً ما إلى التحرر من أغلال القديم والموروث وقبول أختلاف المعتقد والعقيده. إن تكبيل وقمع وسحق كل من أمتلك شجاعة الأنحراف عن الخط المرسوم،والتفكير النقدى الغير مشروط،والرفض والتمرد والتحرر من قيود الأحكام والأعتقادات المسبقه، وتجاوز وأختراق حاجز الخوف من الشطط والزلل وأجتناب الصواب والتعدى على أجماع الأحياء والأموات،وأفصح وأعلن بأسلوب حضارى عن نقده وأعتراضه، ودعى الى أعتناق وتطبيق وتفعيل ما يراه عقلاني وتقدمي وإنساني حتى إن أختلف أو تناقض مع ما يؤمن بصوابه الأكثريه، يؤدى ألى أعاقة ألوصول لدرجة التطور اللازم حدوثها لدى البشر ليصبحوا كائنات إنسانيه راقيه ومتحضره، وربما التطور لكائنات فوق إنسانيه إذا ما تم خلق الأسباب المؤديه لذلك. بكل أسف أقول إن مرض عشق القطعنه  والسير حيثما تشير العصاـ أو تتواجد الجزره ـ قد تفشى وأستفحل وضرب بجذوره فى أعماق مجتمعاتنا العربيه بسبب الخوف من غضب وبطش قوه وكائنات خفيه أفتراضيه،وغلبة وهيمنة العقليه الأسطوريه وسيادة القيم القبليه العنصريه الأستعلائيه الأقصائيه الأبويه العبوديه، فنحن لا نعرف الأختيار عن فهم وأقتناع بعد تشكك ودراسه وبحث وأستقصاء،بل أصبحنا مجموعه من النسخ المؤدلجه المتطابقه المكرره  بلا هويه وقاعده فكريه مميزه، يعانى عقلائنا بسبب عدم أكتفائهم بذاتهم،كنتيجه لضعف التلامس والتواصل العميق معها وعدم الشعور بكفايتها، من الميل الشديد للتماهى والمحاكاه والتوحد بالجماعه، وفقدان قدرة المواجهه للطغيان المجتمعى المتمثل فى التيار السائد الواقف بالمرصاد لمن يناقش مسلماته ويضع منهجه ومرجعيته فى التصنيف للخطأ والصواب والأخلاقى واللاأخلاقى تحت مجهر الفحص العقلانى، والتى توارثها عن أسلافه المعصومين أصحاب السير والتعاليم الأعجازيه، ليمارس تجاهه كافة أنواع القهر والضغوط ليصبه فى قالبه وتطمس هويته وينفصل عن ذاته ويلتحم بالمجموع ويتفتت ويذوب بداخله ويفقد أختلافه وتفرده، وينضم لكتائب المرتزقه والمصفقين وقارعى دفوف التلوث والتعفن والروث الفكرى،فإن رضخ أصبح المخلص والبار،وإن صمد أصبح الخائن والكافر.فالذات الجماعيه ـ خاصةً المستفيدين من تخريب وتسطيح العقول وتغييب الوعى والأدراك ـ لا تسعى إلا لأخصاء الفرد وتدجينه وألتهامه، وألترويج والأبقاء على ما يخدم مصالحها من مسلمات ومرجعيات. ولأنها أضعف من المواجهه الفكريه الشريفه للفرد الناضج الثائر المبدع المستقل،وغير صالحه لممارسة ذلك الدور تستعمل قدرتها على النبذ والأضطهاد المكثف، بأستخدام أكثر البشر خسه ووضاعه لتجييش وتهييج وأستعداء الحمقى والسوقه والرعاع والغوغائيين بأتهامه بتهمه شنيعه فى عرف الأكثريه كخيانة الوطن أو الألحاد لكى تزيد من معاناته وتنتقص من طاقته الفكريه والنفسيه وتهدم وتزيل أى أثر لجهوده نحو التغيير، فالتغيير أمر مرعب ومهدد لكيان من أعتاد التلقين والتنميط،وأستعذب البرمجه والرتابه والسكون، لما يتطلبه من قوه داخليه وضمير حى ويقظ،وأستعداد لدفع الثمن وبذل الجهد وتحمل معاناة التلامس مع قسوة الحقيقه.

 

سامح سليمان