متفقان متناقضان

عماد ميشيل ٢٢ أكتوبر ٢٠٢٠

متفقان متناقضان

 

الأم: لقد أنجبتهما معاً في نفس اللحظة, كانت أسعد لحظة مرت عليّ في حياتي, وتوالت بعدها أفراحي تباعاً, لم يفرح أحد أمه مثلما أسعدني توأمي, في مدرستهما هما الأول والثاني أو الأول مكرر, بين أصدقائهما هما الأكثر شعبية, مجدان في عملهما لأبعد مدى, متفانيان في خدمتهما للحد الأقصى, لم يصدر عن أي منهما تصرف يشين. لقد خضعا لذات التربية, لم أميز بين أيهما في أي شيء. ماجد مثل مجدي, في مقدار الحب والحنان والرعاية, في كمية الألعاب, في المصروف, في كل شيء.

ماجد: يجب أن أفعل كل ما هو جيد لأحاكي أخي, ولأكون عند حسن ظن الجميع, ولأستظل بمظلة أخي فلا أشعر بالوحدة وبتفردي في مواجهة الحياة, لأهرب من نفسي الحقيقية ومن ألمي ومن أفكاري الخاصة التي أشعر بالعار منها. يجب أن أظل محبوباً كيلا أشعر بوجع الفراغ وبعبثية الحياة.

مجدي: الناس بحاجة للخدمة, بحاجة للعطف, أشعر بأن إلهي قد نفخ في أعماقي كمية كبيرة من المحبة التي منه لأهبها لآخرين دون مقابل, أنا في احتياج للعطاء أكثر من احتياجهم للأخذ, يجب أن أرضي الله ولو وقفت ضد العالم كله, فإرضاء العالم ليس من أهدافي.

 

المدرس:لم يسبق لي من قبل الحصول على طالب مثل ماجد أومجدي, إذ أنهما مثال للالتزام وللخلق الحسن كما هما مثال للتفوق الدراسي والذكاء المبدع, وما يلفت النظر لهما أنهما يحبان العلم والدراسة بصدق فلا يدرسان لمجرد الدراسة وتحصيل المعلومات.

ماجد: في الواقع الدراسة بالنسبة لي نشاط كريه, لكنه ضروري للحصول على الشهادة التي تؤدي لنوال احترام الناس ووللحصول على وظيفة محترمة, لكن لا يمكنني التصريح بذلك الأمر, كي أبدو قوياً واثقاً مختلفاً لا كالآخرين, ولكي لا أبدو مخادعاً أحصل على درجات عالية من شيء أزدريه, فإذا كان يعطيني حقي فمن واجبي أن أعطه حقي ولو على مستوى الخداع.

مجدي: العلم متعة, العلم لذة, العلم يصل بك لأعلى الدرجات, العلم غذاء العقل, مشبع الفضول, مريح الذهن, والتقدير الذي أحصل عليه من استذكاري دروسي يأتيني من داخلي, عندما أثري باطني بمعلومات جديدة قيمة. العلم نعمة تعرفنا الخالق على مستوى ما إذ نتباحث ونغوص في خليقته التي صنعها, بنهلنا من المعرفة التي وضعها من سبقونا على طريق الحياة.

 

المدير: ليس هناك من هم أخلص في العمل من ماجد ومجدي,  إنهما مثال يحتذى به أي موظف, إذ أنهما منضبطان في مواعيدهما, ملتزمان في أدائهما للواجب, متخفزان للعمل الكثير الدقيق السليم, فلا حاجة بي لحثهما على العمل أو لمتابعة ما فوضته إليهما, هما أهلاً لأداء أي مهمة تسند لهما.

ماجد: يجب أن أعمل لأقتات, للإتيان بالنقود وللقضاء على الملل الذي قد أصاب به نتيجة للجلوس وحيداً, يجب أن أقوم بما هو لازم لأداري نفسي عن نفسي. الأمر الذي يستلزم بشغل كل دقيقة من وقتي التافه عديم المعنى ولجلب النقود من استغلاله, لا أحب عملي ولا أسعر لإثبات ذاتي أو لمنفعة البشر.

مجدي: العمل يدفع عجلة التطور, يثريني ويشعرني بفائدتي ويفيد الكون الذي أعيش فيه, العمل وصية إلهية لأكل الخبز, واحتياج إنساني للشعور بالأهمية, ونشاط جماعي تعاوني يهدف لغاية مفيدة. أحب مهنتي وأشعر بها تكمل رسالتي الشخصية في الحياة وهدف وجودي, وأحب أن أفيد بها إخوتي في البشرية.

 

الراعي: لم يحدث يوماً أن تأخر أيهما عن أداء أي خدمة أسندت إليهما, دائماً سباقان لكل ما هو خيرولكل ما هو للبنيان, الله يعوض تعب محبتهما, ويباركهما بكل بركة روحية.

ماجد: الخادم لم يعد خدام بل صار مميزاً مباركاً بين الناس, مشهوداً له من الناس بالجودة وبالأحقية, وقد أعطاه سلطان كلمة الله قوة ليتحكم بها فيمن حوله كما يشاء, فيطوع الوصايا على هواه الشخصي, فقد يجب أن تتقن الدور وستتولى سذاجة الناس وسيرهم بجهل في قطيع غبي بباقي الأمر, الخداع لم يعد يتطلب الكثير من الإبداع في مجتمع أحمق.

مجدي: الخدمة هي فعل المحبة, هي عمل القناعة, هي ممارسة الإيمان, هي تنفيذ الرسالة الشخصية, هي تبرير التصميم, وإثبات العزيمة, وتثبيت الإرادة. الخدمة لا تنتظر مقابل ولا يهمها أن تقابل بالإساءة فصلبها عدم التمركز حول الذات, بل بذل وتضحية الذات, ولهذا فهي لا تضع في اعتبارها مجرد فكرة توقع الأخذ من الآخرين, هي تعطي بهدف العطاء. وقد أوضح لنا المسيح هذا الأمر بقوة من خلال حياته, وأخبرنا أن نتمثل به وأن نسير الطريق الضيق.

 

الحبيبتان: كل منا أحبتاهما, لما لهما من صدق ووضوح وحس مرهف وسلامة نفس وحسن الخلق وكمال الصفات, لقد انتظرنا بفارغ الصبر يوم الزواج ولكن القدر كان أسبق.

ماجد: لم أحبها حقاً, ولكن أعجبني أن تهيم بي فتاة فاتنة, لقد أسعدني وأكمل نقصي وأشبع بعضاً من دونيتي, وحسن من رؤيتي لنفسي. سأكون سعيداً جداً عندما أنهل منها ما أشاء من مشاعر, وأن أمتص منها رحيق الحنان والرعاية الذي أتوق إليه.

مجدي: لقد أحببتها, لأنها هي, وعندما أكون معها أشعر برغبة عارمة في الزود عنها وحمايتها من العالم ومن نفسها ومن كل ما يهددها, هي مسئوليتي, وهدفي أن أظل على حبي لها للنهاية, وأن أزيد من رعايتي لها يوماً بعد يومٍ, وأن لا تحتاج أي شيء طالما أنها معي.

 

الضابط: كما ترون لقد انحرف ماجد أثناء قيادته على الطريق واصطدم في ذلك العامود الأمر الذي أدى لموته هو وأخيه مجدي الجالس إلى جواره, لقد ماتا بسرعة دون توقع, وقد أذهل الأمر الجميع, إذ لم يتوقع أحد نهايتهما بهذا الشكل.

ماجد: هدف الذهاب للدير هو تغيير الأماكن والترويح عن النفس والذهاب للتمتع بالقليل من الهدوء والسكينة ولإنعام الجسد بالكثير من النوم. لقد أخذت على عاتقي التنعم بمتع الحياة دون أن أشغل بالي بتحدياتها. لم أقبل إمساك مسئوليتي عن حياتي, بل تركت اللوم على الناس والظروف والمجتمع والعادات والتقاليد والأعراف.

مجدي: هدف الذهاب للدير هو الالتقاء بنفسي وحدها لأفهم منها أفعالها التي لم أميزها وقت حدوثها, وللانفراد مع الله في حديث شخصي دون فواصل العالم أو قواطع الأشخاص الآخرين أو تشتتات الشهوات. لقد أخذت على عاتقي مسئوليتي في أن أعيش كما يتفق, كفرد متفرد, لا كجزء من قطيع, كبشري وسط بشر يخدمهم برسالة فريدة يختص بها وحده لأنه هو وحده هو من كل سكان العالم.

 

الحانوتي: ولدا في نفس اللحظة, ودرسا بذات المدارس وعملا في نفس العمل, وخدما بذات الكنيسة, وماتا في اللحظة ذاتها. الكل يقولون أنهما لم يفترقا ولو لساعة واحدة طوال عمريهما, من الضروري أن لهما نفس المثوى الأخير.

ماجد: للأسف أنت مخطئ. أنا وحدي هنا أتعذب.

مجدي: لست أفهم ما تقول! هل تقول أن لي أخ, آسف ولكن الذكرى ممسوحة, حيث أنا لا بكاء أو تنهد أو صرير أسنان.

 

عماد ميشيل

2 يوليو 2010