حياتى كعازبة (2)

نادين البدير ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

لم أروج قط لدعاية (الزواج تعاسة)، لكن البعض قدر أنى أفعل ذلك. البعض اعتقد أنى أروج للاستمتاع بحياة بعيدة عن الرجال والأزواج، وأرفق رسالته بنموذج لشابة تعيسة كونها لم تتزوج. لم تفلح كل النصائح في تحويلها لامرأة معجبة بنفسها، لإمرأة تقدّر قيمة الأنا بداخلها، فالكمال لا يتحقق برأيها حتى تحط الرحال ذات يوم بمنزل زوج، أي زوج.. تعاستها برأي البعض نابعة من طبيعة بشرية.

 

فلنحكِ عنها. تلك نموذج لعازبة تحيا بيننا.

 

تستيقظ كل صباح لتلعن الساعة التي أتت بها إلى الدنيا، ليست عازبة بمحض إرادتها، وتختلف عن المرأة التي قصدتها بمقالي السابق، كنت أقصد المرأة المستقلة التي تريد لقاء الحبيب بعد أن محت أسطورة الفرس وفارسه من مخيلتها الواقعية. قصدت عازبة بمحض اختيارها. لكن نموذجنا اليوم ليس كذلك، فتاة مهووسة بالزواج وتبحث عن الأسباب. تقول إن قسطها من التعليم قليل، والعرسان لم يطرقوا الباب كثيراً، أو أنهم طرقوه وأهلها مانعوا، أو أن حظها من الجمال بسيط مقارنة بمعايير الجمال السطحية والاصطناعية السائدة. هكذا تسرد أسباباً وهمية، تفترض أنها وراء حرمانها من الزواج.

 

هي لا تهتم لأمر رفيق الروح. فتلك رفاهية بالنسبة لها، الغلبانة لا وقت لديها للتفكير بالزواج بأفكار عصرية، مازالت بعصر سندريلا التي تنتظر فارساً سيهديها قبلته ويزيح عنها غم الأيام ويبعث بها الحياة لتكون بدايتها معه نهاية لطريق العذاب والآلام.

 

تحتار لأمر عبارتي (اعملي واسعدي واعشقي..) إذ كيف ستستمتع بعمر لا يعنى لها شيئاً؟ كل عمرها لا يعنى شيئاً طالما أنها لم تتبع سنن الأوليات وتتزوج مثلهن، لكنها تتبع سنن التقليد العربي الحديث، فلا علاقة مع رجل، أيا كان نوعها، ولا وجود للحب لأنه كلام فارغ، ولا أي ارتباط غير رسمي مطلقاً، فالرجال محتالون وقصدهم التلاعب بالنساء واستغلال حاجتهن للزواج من أجل التفريغ عن نزواتهم الدونية.

 

لا أملك الإجابات لكنى أطرح أمامها الاستفسارات. ولا أقول لها ابتعدي عن الرجل أو حتى اقتربي لكنى أتساءل: كيف تمضى عمرها بعيداً عن الرجل؟

 

الجميع يتحدث عن حاجات الرجل، وعن كبت الشباب، ولا أحد يتحدث عن النساء كأن غرائزهن لم تخلق في الأصل. إن لم تتمكن تلك الفتاة من الارتباط رسمياً، وإن لم تكن تهوى الانخراط بسلك الرهبنة، وإن كان لديها من الطاقة والعاطفة الشيء الكبير. فكيف ستعبر الأيام؟

 

بإمكان الرجل تغيير واقعه إن تحسنت أحواله المعيشية عبر التقدم للزواج أو مصادقة أيا كانت. بإمكانه أن يحب، فلا أحد سيلومه ولا شيء يعيبه، لكن هل يمكن للفتاة أن تحب دون خوف؟ هل يمكنها التقدم لخطبة أحدهم؟ هل نملك حرية الاختيار ونحن مازلنا نُعرَض بصوالين منازل عائلاتنا أمام الرجال كقطع التحف؟

 

فيما يلي أحد التعقيبات على (حياتي كعازية).. تعقيبات متشابهة كتبها محسوبون على التيار الليبرالي في بلدي السعودي، ومن المناضلين بشراسة من أجل حقوق المرأة (موضة هذه الأيام).

 

- لي تحفظ على عباراتك، إذ هل سيحترم الشرقي عازبة منحته حبها وعاطفتها وحنانها دون زواج؟

 

المسألة معقدة جداً. حبيبة رخيصة بنظر محبوبها. أهذا هو شرع مجتمعاتنا؟ وحيدة عازبة وممنوعة من الحب إذن! فلمن يحق الحب؟

 

الغرب حل المشكلة. لم تعد الحبيبة عاهرة رخيصة بل سيدة محترمة تعشق حتى تتأكد من أن شريكها هو رفيق حياتها. هكذا تسنح أمامها الفرصة للارتباط بأي مرحلة عمرية من حياتها.

 

بيننا وبينهم فوارق مجنونة، لن يحلها الإصلاح وقد لا يتمكن من حلها الزمن، الحبيبان هناك يخلصان لبعضهما إخلاصاً لم ترْقَ له كثير من زيجاتنا الصورية. لا يملكون عقداً، لكن بينهما رابطاً روحياً أسمى من كل العقود وأثمن من الأوراق والتواقيع. الأهم أن مفهوم الشريك وارد بقوة بثقافتهم أكثر من الزوج المعيل أو الزوجة المنجبة.

 

وحقيقة التاريخ تقول إننا نحن العرب الذين أقررنا معاهدات الحب منذ القديم، وكتبنا الشعر قبل الإسلام وبعده. جاهرنا بإعلان عشقنا قبل أن نتوقف عنه منذ أمد قريب. وصف الشاعر وتغزل بجسد حبيبته، متفاخراً متباهياً باسمها واسم قبيلتها دون خجل أو خوف على سمعتها، لأن المجتمع وقتها كان يمجد الحب ولا يمتهنه وكان تلويث السمعة يتطلب معايير لا علاقة لها بالحب والسلام بل بالكراهية والفساد، حتى الشاعرة القديمة بعثت بقصائدها لحبيبها، بعثتها لجسده. أبياتها امتلأت برائحته وهي تصف ولعها الجريء دون أن تلاحقها لعنة الفسق. كالقصائد الخالدة التي دارت بين الشاعرة ليلى الأخيلية وحبيبها توبة بن الحمير الخفاجي.

 

اليوم صارت الحبيبة رخيصة! السياسيون والحركات المتشددة التي يريحها انغلاق المجتمع قضوا على كرامة النساء.

 

هكذا تتعس الفتيات.. اختلال التركيبة الثقافية وخروجها عن النص الإنساني، وميلها لنص متطرف كانت ضحيته المرأة، صار مطلوباً منها ألا تعشق وألا تحب، وإن عشقت فعيب أن تعبر عن هيامها. بل عليها أن تنتظر اليوم الذي سيتنبه لها الرجل فإن لم يفعل ضاعت وصارت بائسة حزينة وحيدة.

 

لِمَ ترفضين الحب؟ وكيف ستحققين الارتباط إن بقيت في عزلتك؟

 

انظري للأمر من زاوية أخرى، فحتى الذي لم يعد يهواك بعد أن أهديته حبك، استغللته أنت بدورك، كان قرارك، فلم يكن ليحصل على شيء منك مهما صغر أو كبر لو لم تقرري إهداءه له، لأنك استمتعت بذلك.. ولو أننا بزمن آخر، لشارك الرجال بتصحيح ثقافة العيب وإرجاع الفكر القديم الذي تم غسله بمياه ملوثة.  كانوا عادوا لزمن احترام المحبة لا إهانتها.

 

تذكَّر أنها ليست عدوة تمنت قتلك بل حبيبة تمنت أن تهبك حياتها. فيما أنت منصرف لملاحقة امرأة تثقل عليك، تشتمك فيزيد حب الشريفة بقلبك. جانبها الآخر قد يكون محتالاً وما أنت إلا واحد من المخدوعين، لكنها تعرف طريق الزواج بك عبر إشباع ساديتك ورغبتك في التهميش وحاجتك الدفينة للحياة صياداً. أنتَ في الواقع لا تحبها أبداً، بل تعانى من فقدان واضح وصحيح لتعريف المرأة. لتعريف الشرف والأخلاق والقيم....

 

وتذكَّري أن الحب ليس حراماً والارتباط ليس بعيب، المهم أن تكوني ذكية فتختاري أحد الرجال المحترمين. فتشي عنه وستجدينه.

 

 

نادين البدير

 

مقتبسة من الإنترنت

 

http://www.alraimedia.com/alrai/Article.aspx?id=229556&date=02102010