أصبحت المسيحية ممكنة

مشير سمير ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

"هذه الكلمات تم نشرها سابقاً (منذ أكثر من 5 سنوات)، بمناسبة الكريسماس، ورأينا أن نعيد نشرها الآن لمن لم يقرأها سابقاً."

 

ليس من الغريب أن يبدأ التقويم بل أن يبدأ التاريخ مع ميلاد يسوع، فإن حياتنا تبدأ به وتقوم يه وتكون به. إنه الشخص الوحيد الذي وُلد بهدف محدد هو أن يموت وأن يُذبح نيابة عنا، فلا عجب إذن أن حياتنا تبدأ من عنده ولا توجد إلا فيه.
هذه هي الذكرى التي يستحيل علينا أن نتذكرها فقط بضعة أيام مع بداية كل عام، بل هي في كل لحظة من يومنا وكل يوم من عامنا تلاحقنا حتى لا ننسى أبداً أن هذا الشخص قد وُلد وتجسد لكي يموت عنا كي ما نحيا نحن ونوجد. هذه هي البشارة التي لا تفوقها بشارة أخرى، والتي نحتفل ونعيّد بها. فكلمة "عيد" التي استخدمت في العهد القديم تعني حرفياً: "موسم" أو "موعد للمقابلة" بالطبع بين الإنسان والله، فهي نفس الكلمة المستعملة في خر25: 22 "وأنا اجتمع بك هناك". فلنحتفل إذن بهذه البشارة كل يوم في لقائنا الشخصي معه.
هكذا أتمنى لكم عاماً جديداً سعيداً.

 

 

 

 

"أصبحت المسيحية ممكنة"، يا لها من عبارة رائعة استمعت إليها مؤخراً في سياق أحد ترنيمات الكريسماس في هذا الوقت الاحتفالي من العام. ويجدر بنا اليوم التوقف أمام هذه العبارة المدهشة، فبدون الميلاد المسيحية هي ديانة مستحيلة. فالله يطالبنا بأن نرضي مقاييسه الإلهية المقدسة لكي نكون في شركة معه حيث أنه لا يستطيع أن يكون في شركة مع كائن غير مقدس، ففي ذلك استحالة أدبية وعملية. ولهذا وُلِد المسيح ولهذا مات وقام، لكي تتاح الإمكانية لمن يسكن المسيح في قلبه لأن يحيا الحياة المسيحية، وأن تكون الحياة المسيحية ممكنة له. ولكن هل تتغير الحياة المسيحية في حد ذاتها وتصبح ممكنة للبشر؟ هذا مفهوم خاطئ يسقط فيه مؤمنون كثيرون.
الحقيقة أن الحياة المسيحية سوف تظل دائماً مستحيلة على البشر نتيجة للتغير الذي حدث في البشرية بعد السقوط. فمهما كان الإنسان مؤمناً، فهو في ذاته عاجز عن أن يحيا بالقداسة التي بدونها لن يرى أحد الله. ومن الجدير بنا هنا اقتباس القول الرائع للمفسر المصري الراحل ناشد حنا، إذ يقول في كتاب الشكينة: "إن أحسن تقدماتنا لله يلامسها إثم أيدينا، وأنقى سجودنا يختلط بالنقص الذي فينا، وأقدس أعمالنا يداخلها العجب والأنانية لإرضاء الذات." وهو يشرح ذلك لنا كمؤمنين قائلاً:
"والمؤمن مع أنه أصبح خليقة جديدة في المسيح بفضل موته مع المسيح وقيامته معه، وصار شريكاً للطبيعة الإلهية بفضل ميلاده الثاني واتحاده بالمسيح المقام، فإنه لا يزال مثقلاً بجسد الخطية والموت، ولا يزال يقاسي في نفسه صراعاً مستمراً بسبب الجسد الذي يشتهي ضد الروح. ومن النافع للمؤمن لأجل تمتعه بالسلام وقدرته على السلوك بالروح أن يدرك جيداً أن إنسانه الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق لم يستأصل الجسد الفاسد الذي هو مولود به بالطبيعة بل لا يزال لسان حاله "فإني أعلم أنه ليس ساكناً فيّ أي في جسدي شئ صالح" (رو7: 18)

وهنا تكمن أهمية الميلاد، إذ بميلاد المسيح في قلوبنا واستمرار ملكه داخل نفوسنا الطائعة يحيا هو، أي المسيح، هذه الحياة المسيحية المستحيلة على البشر، كما يقول بولس "مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ." (غل 2: 20) وهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تكون المسيحية ممكنة: أن يحياها المسيح في داخلنا. ولم يكن هذا ليتأتى دون دخول المسيح إلى عالمنا المادي وحياته في داخل نفوس عبيده الطائعين المائتين في أنفسهم (لاحظ قول بولس "فأحيا لا أنا")، ففي حياة أي منا – كمؤمنين - في ذات أنفسنا تكون المسيحية مستحيلة، وهذا هو السر الذي لا يدركه العالم، أن الميلاد والتجسد والقيامة والفداء ليسوا مجرد أركان للمسيحية، وإنما خطة واحدة من الله لجعل المسيحية ممكنة للإنسان.
فلنحتفل إذن بالميلاد و بالمسيحية الممكنة عن طريق التنازل عن أنفسنا ليحيا المسيح حياته فينا، حسبما يقول لنا في مت 10: 39 "من أضاع حياته من أجلي يجدها."

مشير سمير
المؤسس والمدير العام
لخدمة المشورة والنضج المسيحي