الحياة المسيحية تتجه لمجد الله من البداية الي النهاية

الأب متى المسكين ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

عمل كلمة الله في حياتنا يضمن لنا تغييراً في طبيعتنا غير مدرك، وإنما يُستعلن في حياة مبررة مقدسة. القصد والغاية من هذه الحياة منذ الآن والي الأبد هو أن نصير مع الله في شركة ، يصير له فيها كل المجد والكرامة والعزة والسلطان، دون أن نفقد كياننا الفردي، إذ نظل وارثين مع المسيح ومالكين معه.

 

فإذا تعمقنا في موضوع حياتنا وعبادتنا علي ضوء هذه الحقيقة، نجد أنها تتجه نحو الله. وأن بمقدار اتجاهها نحو الله تصير سبباً وعلة لحصولنا علي شركة معه في غناه ومجده و الحياة السعيدة عنده. أي إنه بمقدار ما تصبح عبادتنا وتقوانا وبرنا وقداستنا وكل أعمالنا الروحية متجهه نحو الله بصورة نقية خالصة وقاطعة لتخدم اسمه القدوس دون أن يشوبها أي ميل للانتفاع بهذه العبادة والأعمال لتمجيد أنفسنا أو لربحنا الشخصي بأية وسيلة وبأي نوع؛ بمقدار ما تصير حياتنا المسيحية ربحاً لنا. هذه الحقيقة غامضة، وتبدو علي المستوي العملي صعبة ومتناقضة مع طبيعتنا، لأننا دائماً نتطلب المنفعة الحاضرة السريعة من أي عمل نقوم به.

 

ولكن العبادة بكل أصولها وفروعها يلزم أن تكون واضحة أمام ذهننا باستمرار أنها خدمة مقدسة لشخص الله وليست وسائل لتحسين أو تقويم حياتنا علي الأرض. فإذا اتجهت العبادة ناحية نفع الإنسان انفصلت حياتنا عن الله وصارت العبادة نوعاً من الطموح للارتقاء علي مستوي بشري.

 

إن التغيير الذي تجوزه طبيعة الإنسان بواسطة كلمة الله وسر المسيح سواء في المعمودية أو بعدها، لا يُزيد من القيمة البشرية في الإنسان وإنما يُزيد من القيمة الإلهية في الإنسان، أي يجعله هذا التغيير أكثر تبعية لله من نفسه.

 

فكل تحول أو تغيير أو تجديد تجوزه طبيعتنا يجعلها أكثر قرباً إلى طبيعة الله، وبالتالي أكثر صلاحية لخدمته وتمجيده.

 

فالحياة المسيحية الناشطة هي حياة خدمة وتمجيد لله أكثر منها حياة إنسانية. والعبادة فيها لا تُحسب ولا تُضاف لحساب الإنسان حتى يُعتبر الإنسان ذا تقوي أو صاحب عبادة، كأن عبادة الله في حد ذاتها تُزيد الإنسان مجداً؛ ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً ، فالإنسان المسيحي إنسان لا يعيش لنفسه، ولا يعبد لمنفعته، ولكنه يتجه بكل كيانه نحو الله مزدرياً بنفسه. وإذ يتنازل عن كل ما له لله ويسلم حياته ورجاءه له ويصبح فقيراً ملتجئاً إلى الله ويفقد كل اختصاصه بنفسه ويصير من خاصة الله، حينئذ فقط يأخذ من الله كرامة ومجداً، ويصير حياً به ومعه؛ وهنا أيضاً تصير كرامة الإنسان عائدة إلي الله بكمالها لأن الإنسان آنئذ لا يكف عن تمجيد الله بكل كيانه.

 

والله لا يكرم الإنسان عندما يعبده، ولكن عندما ينكر ذاته ، معطياً كل المجد لله: «ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخٌلقت.» (رؤ4 : 10 ، 11)

 

 

 

الأب متى المسكين

 

من كتاب: "كلمة الله، شهادة وخدمة وحياة"