"ما هو علم اللاهوت؟"

د. ريتشارد ل. برات ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٢

هناك أوقات قد نرغب فيها بالسير دون ان يكون في ذهننا وجهة محددة نقصدها. فالتسكع قد  يكون مسليًا أحيانًا، لكن عندما يتعلق الامر بالوصول إلى مكان محدد وفي وقت معين، من الافضل ان يكون عندنا مخطط، خارطة أو طريق نسلكه.

 

هذه السلسلة من الدروس هي بعنوان "بناء فكرك اللاهوتي". والتوصل الى استنتاجات صحيحة عند بناء فكر لاهوتي مهم بحيث يجب ان تكون لنا خطة للوصول الى ذلك الهدف. لذلك في هذه السلسلة من الدروس سوف ندرس بعض الاتجاهات الأساسية التي يجب أن نتبعها للتوصل الى بناء فكر لاهوتي مسيحي مسئول.

 

الدرس الاول هذا، هو بعنوان "ما هو علم اللاهوت؟" وقد أشرنا من خلال إجابتنا على هذا السؤال الى خطة لدرس علم اللاهوت استفادت منها الكنيسة في الماضي  والتي يجب ان نتبعها اليوم. وفي استعراضنا لهذه الخطة سوف نقسم درسنا إلى ثلاثة أقسام رئيسية: أولا، سوف نعرّف علم اللاهوت؛ ثانياً، سوف نستعرض أهداف علم اللاهوت؛ وثالثًا، سوف نتطرق الى مواضيع علم اللاهوت.

 

دعونا نبدأ بتعريف ما نعنيه عندما نستخدم مصطلح "علم اللاهوت". في دراستنا لهذا الموضوع سوف نتطرق الى ثلاث مسائل: أولاً،  سوف نتعرف على بعض التعريفات النموذجية لأربعة من اللاهوتيين؛ ثانياً، سوف نشرح بعض اتجاهات او وجهات نظر هذه التعريفات؛ ثالثاً، سوف نقيّم هذه الاتجاهات المختلفة. دعونا نبدأ أولاً ببعض الطرق التى عرّف بها اللاهوتيون علم اللاهوت.

 

الآن، وبحسب الفصل الأول من رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، نجد ناحية هامة وهي أن كل البشر يمارسون علم اللاهوت كل حياتهم. وحتى غير المؤمنين منهم، عندما يتواجهون مع الإعلان العام، ينقادون دون أن يعوا أحيانًا، بطريقة أو بأخرى، إلى التأمل بالله ومطالبه العادلة. كذلك المؤمنون، على اختلاف وظائفهم، نجدهم يصرفون الكثير من وقتهم متفكرين في الله. لكننا مع بداية دراستنا، نرغب في التركيز على علم اللاهوت كعمل رسمي، عمل يقوم به أشخاص يبذلون جهدا مدعومًا بالمعلومات في نظام دراسة خاص.

 

هناك طرق لا تحصى عرّف بها المسيحيون وغير المسيحيين علم اللاهوت كنظام رسمي للدراسة. لكننا سنحصر اهتمامنا هنا، ونحن بصدد مناقشة دراسة علم اللاهوت الرسمية، في اربعة من اللاهوتيين المسييحيين الذين يتمتعون بدرجة عالية من الإحترام والتقدير، والذين وفروا لنا توجهات نافعة. لذلك، دعونا نأخذ بعين الإعتبار، التعريفات التى نجدها في كتابات أولئك الأربعة، وهم: توما الإكوينى، تشارلز هودج، وليم إيمس، واللاهوتي المعاصر جون فرايم.

 

نبدأ بتوما الإكوينى، اللاهوتي الكاثوليكي الشهير ، الذي يمثل تعريفه التقليدي لعلم اللاهوت. هذا وقد نشأت وجهات نظر الإكوينى من ممارسات اللاهوتيين الذين سبقوه وما زال تأثيرها ظاهرًا  في فروع عديدة من كنيسة اليوم. وفي كتابه الأول، في الفصل الأول، من القسم السابع من عمله الشهير "سوما ثيولوجيكا" (( Summa Theologica، دعا الإكوينى علم اللاهوت "بالعقيدة المقدسة" وعرَّف هذا العلم كالآتي:"هو علم جامع بمعنى أنه يتكلم عن كل الامور من وجهة نظر الله، فالله ذاته هو موضوع هذه الامور أم أنها تشير إليه."

هذا التعريف مقبول ومريح لطلبة علم اللاهوت، كما أنه مفهوم ومعقول بالنسبة لنا. وهو يتضمن بعدين هامين يستحقان منا اهتمامًا خاصًا.

 

أولاً، عرّف الإكوينى علم اللاهوت بأنه "علم". ولم يكن يقصد بذلك، المعنى الحديث لمصطلح العلم، ولكن العلم بمعناه الأوسع كمسعى علمي عقلاني. وبهذا المعنى يكون علم اللاهوت عملا أكاديميا له هدف محدد. هذا، ويبين تعريف توما الإكوينى أنه بنفس الطريقة التى بها يدرس بعض الناس علم الاحياء، وعلم النفس، والقانون أو التاريخ، فهناك آخرون أيضا يدرسون علم اللاهوت ويهتمون بالبحث فيه كنظام أكاديمى. وهذا المفهوم لعلم اللاهوت يتحقق بالدرجة الاولى من خلال اهتمامات ونشاطات اقترنت عموما بالدراسة الأكاديمية. وفي هذا المنظور، يكون عمل اللاهوتى بصورة رئيسية، أن يفكر، ويعلم، ويكتب عن العقائد أو المفاهيم اللاهوتية. لم يعتقد الإكوينى بالطبع أن علم اللاهوت يجب أن يبقى عملا أكاديميا مجردا، بل بالحري يجب أن يؤثر في كل أبعاد الحياة المسيحية. لكنه مال الى اعتبار علم اللاهوت كمسعى عقلاني.

وإذ نفحص تعريف الإكويني لعلم اللاهوت، نرى بعدا ثانيا مهما. فبالنسبة له، يتضمن علم اللاهوت- على الأقل - مستويين. في المستوى الأول، يتناول اللاهوتيون مسائل تتعلق بـِ "الله نفسه". كأن نصوغ آراء تتعلق بصفات الله: مثل، علمه بكل شيء، حضوره في كل مكان، وقداسته. ونحن نسمّي هذه المواضيع دراسة "علم اللاهوت الحقيقي".  ففي هذا العلم شخص الله نفسه هو موضوع دراستنا.

 

مقالات اخري