رسالة "ميخا": هل نحن أمام رسالة مماثلة اليوم؟

متى هنري ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢

(الأصحاح السابع)

من تفسير "متى هنري"

 

(ع 1-6)

هذا وصف عن أزمنة شريرة ..

صرخ النبي وقال "ويل لي". لقد تحسر على نفسه لأنه عاش في جيل فاسد مثل هذا. واعتقد أنه من سوء حظه أن يعيش وسط شعب مسرعين إلى الهلاك الذي كان لابد أن يجرف الكثيرين من الصالحين.

 

هكذا صرخ داود "ويل لغربتي في ماشك" (مز 120: 5).

1-                  لقد أحزنه أنه لم يكن هنالك سوى القليلين من الأشخاص الصالحين، حتى بين شعب الله. وكان هذا عارًا لهم أنه "قد باد التقي من الأرض"، أرض كنعان. فقد كانت أرضًا طيبة، "أرض الاستقامة" (إش 26: 10). لكنه لم يبق فيها سوى أتقياء قليلين، لم يكن فيها "مستقيم" بينهم ع2. الرجل "التقي" هو الرجل الورع، والرجل الرحيم. وهذا ما يُفهم من النص الأصلي. إن الكاملي التقوى هم الذين يتقون الله، ويصنعون الخير للناس، الذين يحبون الرحمة ويسلكون مع الله.

هؤلاء بادوا، هؤلاء الأمناء القليلون، الذين سبق أن أغنوا بلادنا وزينونا، ماتوا الآن وانقرضوا، ولم يقم بدلهم من يسلك في خطواتهم. انتفت الأمانة ولم نعد نلتقي بأتقياء.

الذين تربوا تربية دينية انحطت حياتهم، وصاروا كأسوأ الناس. "قد انقرض التقي" (مز 12: 1).

وقد وضح النبي هذا بتشبيه ع1. لقد صاروا كما كانوا يوم جنوا ثمار الصيف "لأني صرت كجني الصيف". كان من العسير وجود رجل تقي كما أنه من العسير وجود شئ من فاكهة الصيف، وهي أفخر الفواكه، بعد انتهاء موسم الحصاد. كان لسان حال النبي يردد ما سبق أن قاله إيليا في عصره "بقيت أنا وحدي" (1مل 19: 10).

الانقياء، الذين اعتادوا أن يتجمعوا معًا كعناقيد العنب، صاروا وقتئذ "كخصاصة القطاف[1]"، لا توجد سوى حبة هنا، وأخرى هناك (إش 17: 16). لا تجد جماعات منهم، كعناقيد العنب، بل الموجودون أفراد قلائل. "لا عنقود للأكل". وأفخر العنب هو ما ينمو في العناقيد الكبيرة الحجم.

يرى البعض أن هذه لا تشير فقط إلى أن الأنقياء كانوا قليلين، بل إلى أن هؤلاء القليلين الذين بقوا، كان يُنظر إليهم كأنهم أنقياء، كانوا لا يصلحون لشئ، مثل حبات العنب الذابلة، التي نبذها ليس فقط الجاني، بل جامع الفضلات. عندما لاحظ النبي هذا الانحطاط العام اشتهى "باكورة تينة"، اشتهى أن يرى رجالاً أتقياء كما كانوا يوجدون قديمًا، وكانوا زينة العصور الأولى، وكانوا أفضل جدًا، بما لا يقاس، من أفضل معاصريه، كما تتميز باكورات الفاكهة الكاملة النضج عن الفاكهة المتأخرة التي لن يكتمل نضجها.

عندما نقرأ ونسمع عن حكمة وغيرة الأتقياء في العصور السابقة، وتدقيقهم في السلوك ويقظة ضميرهم، عن تقواهم وحبهم لعمل الخير، ونذكر ما وصل إليه العصر الحاضر من عكس ذلك على خط مستقيم، لا نملك ألا أن نجلس ونتحسر ونتمنى عودة المسيحية الأولى أين صراحة ونزاهة الذين كانوا قبلنا؟ أين هو "الإسرائيلي حقًا الذي لا غش فيه" (يو 1: 47)؟ تشتاق نفوسنا بأن تراهم، لكن بلا جدوى. لقد انقضى العصر الذهبي بدون رجعة. فلننتفع بالعصر الحالي على قدر ما نستطيع، إذ يبدو أنه لا أمل في أن نرى مرة أخرى أمثال تلك العصور السابقة.

2-                  وأحزنه أنه كان بينهم الكثيرون من الأشرار. لم يقتصر الأمر على عدم وجود من يعمل الخير، بل كان هنالك الكثيرون الذين يعملون كل الإساءة التي يقدرون أن يعملوها. "جميعهم يكمنون للدماء يصطادون بعضهم بعضًا بشبكة". لكي يحصلوا على الثروة لم يبالوا بأي ظلم أو أية إساءة يعملونها لجيرانهم ولأقرب أقربائهم. يتصرفون كأن البشرية في حالة حرب، وكأن الحق للقوة فقط. يتصرفون مع إخوتهم كوحوش مفترسة، لأنهم "يكمنون للدماء" كما يكمن الأسد لفريسته. يتعطشون للدماء، ويستخفون بقتل أي نفس إن كان في ذلك أية فائدة تعود عليهم، ويترقبون الفرصة لإتمام هذا. يتخذون من إخوتهم فريسة لهم، لأنهم "يصطادون بعضهم بعضًا بشبكة". يضطهدونهم كمخلوقات مؤذية تستحق أن تباد، مع أنهم أبرياء، بل أفضل الفضلاء. لقد اعتدنا أن نقول عن طريد العدالة إنه "يجب اصطياده كذئب".

أو إنهم يضطهدونهم لإشباع شهوتهم كما يفعل الناس وقت التسلية. إن لديهم ألف طريقة شنيعة لاصطياد الناس وإهلاكهم، وذلك لكي يكسبوا من ورائهم شيئًا لأنفسهم. وهكذا تكون "اليدان إلى الشر مجتهدين[2]" قلوبهم تشتهي هذا، وعقولهم تدبره، وهكذا تكون اليدان مستعدتين لتنفيذه.

(ملاحظة) كلما ازداد البشر انغماسًا في التدابير الشريرة، وزادت جهودهم فيها، ازدادت هذه التدابير إغاظة لله.

3-                  والحكام الذين كان يجب أن يدافعوا عن الحق بحكم مراكزهم عملوا الظلم وشجعوه. "اليدان إلى الشر مجتهدتان"، لكي يشجعوا بضعهم بعضًا في هذا.

"الرئيس طالب والقاضي بالهدية". الرئيس يطلب، والقاضي يطلب من أجل الرشوة التي يستأجرها بهذا لبذل كل ما في وسعهما لتدعيم أي قصد شرير بكلتا اليدين.

يقرأ البعض هذه العبارة هكذا: "يصنعون الشر بكلتا اليدين، بمهارة وفطنة". يهنئون أنفهسم من أجل نجاحهم هذا.

ويقرأها الآخرون هكذا: "لكي يفعلوا الشر فإن لهم يدين"، يمسكون بكل فرصة لعمل الأذى، ولكي يفعلوا الخير فإن الرئيس والقاضي يطلبان أجرة". إذا ما أرادوا عمل أية خدمة اشترطوا أن يتقاضوا أجرًا. "والكبير"، صاحب الثروة وذو السلطان لعمل الخير لا يخجل من التصريح برغبته الشريرة بالاشتراك مع الرئيس والقاضي، اللذين يعضدانه. "والكبير متكلم بهوى نفسه". وهكذا "يعكشونها[3]" يسببون الارتباك والبلبلة، يُعقدون الأمور، فتضيع العدالة وسط هذا الارتباك، وهكذا يوجهون الأمور إلى حيثما أرادوا. يشقى الشعب عندما يتحالف رؤساؤه وقضاته وكبراؤه لقلب أوضاع العدالة.

ويالها من صفة محزنة تلك التي وُصفوا بها ع4 "أحسنهم مثل العوسج وأعدلهم مثل سياج الشوك[4]". إن التعامل معهم خطر جدًا. "والرجل الذي يمسهم يتسلح بحديد" (2صم 23: 6 و7)، لابد أن يخدش جسده وتمزق ثيابه، وتكاد تقلع عيناه.

وإن كانت هذه هي صفات أحسنهم وأعدلهم فماذا يكون حال أشرهم؟ وإذ وصلوا إلى هذه الحالة قيل "يوم مراقبيك عقابك قد جاء"، أي كما قيل بعد ذلك مباشرة "عقابك قد جاء[5]"، لكي يحاسبك الله عن كل هذا الشر، الذي قيل عنه إنه "يوم مراقبيك"، لأن أنبيائهم، الذين أقامهم الله كرقباء عليهم، كثيرًا ما أنذروهم بهذا اليوم.

عندما أفسد كل ذي جسد طريقه، حتى أحسنهم وأعدلهم، ماذا كان يُنتظَر سوى يوم افتقاد، وطوفان من الغضب، كالذي أغرق العالم القديم عندما "امتلأت الأرض ظلمًا" (تك 6: 11).

4-                  وأحزنه أنه لم يكن هناك من يؤمن. لقد ساد الغدر كل الشعب بصفة عامة لدرجة أنه لم يكن سهلاً العثور على شخص يؤتمن ع5: "لا تأتمنوا صاحبًا." كان الذين لا يزال باقيًا فيهم أي شعور بالكرامة والنبل والشرف، أو أية ذرة من الفضيلة، يحتفظون جدًا بنواميس الصداقة. كانوا لا يذيعون ما جرى في الأحاديث السرية، ولا يفشون الأسرار، لئلا يسيئوا للصديق. أما وقتئذ فلم يكن هنالك أي أثر لهذه الفضائل. كنت لا تلتقي بصاحب تأتمنه، أو تثق بكلامه، أو يهتم بشؤونك ولذلك جرى هذا القول كقاعدة عامة بين الحكماء "لا تأتمنوا صاحبًا،" لأنكم تجدونه زائفًا. لا يمكن قط أن تأتمنوه. وحتى الذي تعتقدون أنه شخص أمين نزيه تجدونه هكذا بالاسم فقط.

وحتى الذي يتعهد بقيادتك في أية مهمة يعترف هو بأنه يدركها أكثر منك، فإنك لا تقدر أن تثق به "لا تثقوا بصديق[6]" لأنه لابد أن يضلك إن كان بهذا يجني أية فائدة.

يرى البعض أن المقصود بالصديق هو الزوج الذي قيل عنه بأنه هو "أليف الصبا" (أم 2: 17، إر 3: 4). وهذا يتفق تمامًا مع ما ورد بعد ذلك "احفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك"، أي عن زوجتك. احرص جدًا فيما تقوله أمامها لئلا تخونك، كما خانت دليلة شمشون، لئلا تصير هي "طير السماء الذي ينقل الصوت الذي يحدث في مضجعك" (جا 10: 20). إنه زمان ردئ فعلاً عندما يضطر العاقل أن يصمت إلى هذا الحد (عا 5: 13).

..إنه لأمر محزن جدًا أن يجد المرء بأن أهل بيته هم الذين يخونونه، وهم ألد أعدائه "وأعداء الإنسان أهل بيته". أبناؤه، وخدمه، الذين يجب أن يكونوا حراسه، وأصدق أصدقائه.

 

(ع 7- 11)

بعد أن شكا النبي بمرارة من شر الأيام التي كان يعيش فيها، نجده هنا يتمسك ببعض الاعتبارات لتعزية نفسه وتعزية أصدقائه إزاء شر تلك الأيام. كانت الحالة ردية جدًا، لكنها لم تكن ميئسة: "ولكن الآن يوجد رجاء لإسرائيل في هذا" (عز 10: 2).

(أولاً) مع أن الله غاضب علينا الآن فإنه سيصطلح معنا، وعندئذ تتحسن كل الأحول ع 7 و9. نحن الآن تحت "غضب الرب"، الله غاضب علينا بعدلٍ، "لأننا أخطئنا إليه".

(ملاحظة) إن خطيتنا ضد لله هي التي تثير غضب الله علينا، وينبغي أن ندرك هذا، ونعترف به كلما أوجدنا أنفسنا تحت غضب الله، وذلك لكي نبرره ولكي نحقق قصده في غضبه علينا، وذلك بالتوبة عن الخطية، والتحرر منها.

1-                  في وقت كهذا ينبغي أن نلجأ إلى الله إذ تكون الضيقات حالة علينا ع7 "ولكنني أراقب الرب[7]". عندما يجد أحد أولاد الله في قلبه ما يبعثه على أن يصرخ قائلاً "ويل لي"، كما فعل النبي هنا ع1، فمما يعزيه أن يذكر بأن له إلهًا يتطلع إليه، ويلجأ إليه، ويطير إليه، فيستريح فيهن ويتلذذ به عندما يكون كل ما حوله مظلمًا ومقبضًا للنفس يمكن أن يكون كل ما هو فوقه منيرًا ومبهجًا.

سبق أن شكا النبي من أنه لم يجد تعزية أو ثقة في أصدقائه وأقاربه الذين على الأرض، وهذا دفعه إلى إلهه "لذلك أتطلع إلى الرب". كلما قل الرجاء في الابتهاج بأي مخلوق وجب أن يزداد الرجاء في الابتهاج بالرب. إن كان الرؤساء لا يؤتمنون حق لنا أن نقول "طوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاؤه على الرب إلهه" (مز 146: 5)، وطوبى لي، حتى في وسط ويلاتي الحالية، إن كان هو معيني. إن كان الناس غير أمناء فإنه ليعزينا أن الله أمين. إن كان الأقارب قساة فإن الله رحيم. إذن فلنتطلع إلى ما هو فوقهم وأبعد منهم، ونغمض عيوننا عما نجده فيهم من فشل، ولنتطلع إلى الرب.

2-                  ينبغي أن نخضع لإرادة الله إذ نكون في متاعبنا. "احتمل غضب الرب"، احتمله بالصبر، دون تذمر أو تضجر، "لأني أخطأت إليه".

(ملاحظة) إذ الذين يتوبون حقًا عن الخطية يجدون مبررًا كافيًا لكي يصيروا تحت الآلام. "لماذا يشتكي الإنسان من قصاص خطاياه" (مراثي 3: 39)؟ عندما نشتكي لله من شر الأيام يجب أن نشكو أنفسنا من أجل شر قلوبنا.

3-                  ينبغي أن نعتمد على الله ليصنع لنا خلاصًا، ويحول متاعبنا إلى خير في الوقت المناسب. ينبغي أن لا نتطلع إليه فقط، بل نصبر له "أصبر لإله خلاصي"، ولمجازاته الرحيمة لي. في أشد ضيقاتنا ينبغي أن لا نيأس من الخلاص قط إن كنا بالإيمان نتطلع إلى الله على أساس أنه هو "إله خلاصنا" القادر أن يخلص أضعف الضعفاء لدى توسلاتهم المتواضعة، ويخلص أشر الأشرار لدى توبتهم الصادقة. وإن كنا نعتمد على الله، كإله خلاصنا، فيجب أن نصبر له ولخلاصه، بالطريقة التي يراها هو، وفي الوقت الذي يراه هو.

والآن لنتأمل فيما طلب من الكنيسة أن تنتظره من الله، وتُمني نفسها به، حتى إن كانت الظروف قد وصلت إلى أسوأ الحالات.

(1)               "يسمعني إلهي". إن كان الرب هو إلهنا فإنه لابد أن يسمع صلواتنا ويستجيبها مانحًا سلامًا.

(2)               "إذا سقطت أقوم". إذا سقطت وكدت أتحطم، فإنني أنهض وأقوم، وأسترد قوتي. "إذا سقط فإنه لا ينطرح. لأن الرب مسند يده" (مز 37: 24).

(3)               "إذا جلست في الظلمة"، في وحشة، بلا عزاء، حزينًا ومرتبكًا، لا أدري ماذا أفعل، ولست أعرف الطريق الذي اتخذه للإغاثة، "فالرب نور لي" ليعزيني وينعشني، ليرشدني ويعلمني، ليقودني ويهديني، كنور لعيني وسراج لرجلي، "كسراج منير في موضع مظلم" (2بط 1: 19).

(4)               "يقيم دعواي ويجري حقي" ع9. إن كنا من كل قلوبنا ندافع عن القضية العادلة للديانة والفضيلة، ونجعلها قضيتنا، فيكون هنالك رجاء بأن يقيم دعوانا ويُجري حقنا. إن كانت دعوى الكنيسة تداس وقتًا ما فإن الله سوف يقيمها أخيرًا بقوة، ويُجري حقها تجاه أعدائها.

(5)               "سيخرجني إلى النور" يجعلني منيرًا بعد أن كنت مظلمًا وخامل الذكر، يجعلني بارزًا ومعروفًا للجميع، يخرج مثل النور بري من تحت سحاب الوشاية المظلم (مز 37: 6، إش 58، 10). يشرق صباح التعزية بعد الليل الطويل المظلم، ليل الضيقات والآلام.

(6)               "سأنظر بره" سأنظر عدالة كل تصرفاته معي، وتحقيق مواعيده لي. (ثانيًا) ومع أن الأعداء يشمتون ويهينون فإنهم سيبكمون ويخجلون ع 8 و10.

لاحظ هنا:

1-                  كيف أن أعداء شعب الله يدوسونهم بغطرسة في ضيقتهم. لقد قالوا "أين هو الرب إلهك". كأن الله قد تركهم لأن النكبات قد حلت بهم، وكأنهم لا يعرفون أين يجدونه بصلواتهم، وكأنه هو لا يعرف كيف يغيثهم برحمته. هذا ما قاله أعداء دواد له فكان سيفًا في عظامه (مز 42: 10، 115: 2). وهكذا عيروا إسرائيل بهذا كشعب منبوذ عيروا إله إسرائيل كإله غير رحيم وغير أمين.

2-                  كيف تحمل شعب الله هذه الإهانات بالصبر ع8: "لا تشمتي بي يا عدوتي". إنني الآن ذليل، لكنني سوف لا استمر هكذا دوامًا. وعندما يظهر الله لنجدتي، فعندئذ "ترى ذلك مبغضتي فتُخزى" (مز 86: 17)، لا تخزى فقط لانهيار آمالها نحو خراب الكنيسة التام، بل لأن نفس "كأس الترنج" قد وُضع في يدها. وإذ ذاك "عيناي ستنظران إليها" وقد صارت في نفس الحالة الأسيفة التي أنا فيها الآن، "الآن تصير للدوس كطين الأزقة".

(ملاحظة) إن نجاة الكنيسة تكون نكبة لأعدائها. وخزيهم يتضاعف عندما يصيرون للدوس كما سبق أن داسوا هم شعب الله.

(ثالثًا) ومع أن الأرض تستمر زمنًا طويلاً خربة فإنها تنتعش ثانية أخيرًا عندما يأتي وقت نجاتها، الوقت المحدد. لا يأتي خلاصها إلا بعد أن "تصير خربة" ع13. كانت لله خصومة مع الأرض، وكان يجب أن تبقى طويلاً تحت توبيخه "بسبب سكانها". فإن "الأرض المثمرة تصير سبخة من شر الساكنين فيها" (مز 107: 34). وذلك كله "من أجل ثمر أفعالهم" التي ارتكبوها، من أجل ثمارهم الشريرة، من أجل خطايا الآخرين التي تسببوا فيها هم بقدوتهم الشريرة من أجل هذا ينبغي أن يتألموا طويلاً لأن العالم يجب أن يعرف بأن الله يكره الخطية، حتى ولو كانت في شعبه.

 

(ملاحظات):

(1)               إن شعب الله، الذي هو "بقية ميراثه"، يُتهَمون بتعديات كثيرة. ولأنهم بقية، أي قليلو العدد جدًا، فكان يرجي أن يكونوا صالحين جدًا. لكنهم ليسوا كذلك، إن لأولاد الله عيوبهم، وكثيرًا ما يغضبون أباهم الذي في السماوات.

(2)               الله الرحيم مستعد للصفح عن آثام وتعديات شعبه لدى توبتهم ورجوعهم إليه. وشعب الله شعب مغفور الإثم، وعلى هذا الأساس فإنهم مدينون لله بكل شئ وبكل كيانهم. عندما يغفر الله الخطية فإنه يغض الطرف عنها. "غافر الإثم وصافح عن[8] الذنب"، لا يقتص منها، كما يجب أن يفعل بعدل، ولا يعامل الخاطئ كما تستحقه خطاياه.

(3)               ومع أن الله قد يسمح بأن يبقى شعبه تحت علامات غضبه بعض الوقت فإنه "لا يحفظ إلى الأبد غضبه". "فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثير مراحمه" (مراثي 3: 32). وهو ليس حقودًا. ومع ذلك فإن الذين ليسوا من "بقية ميراثه"، الذين لم تغفر لهم خطاياهم، فإنه يحفظ لهم غضبه إلى الأبد.

(4)               أما الأسباب التي لأجلها يغفر الله الخطية، ولا يحفظ غضبه إلى الأبد، فإنها ترجع إليه هو شخصيًا، "فإنه يسر بالرأفة"، يسر بخلاص الخطاة لا بموتهم وهلاكهم.

(5)               ومجد الله في غفران الخطية، كما في كل شئ آخر، لا يُبارى، وليس له مثيل. "من هو  إله مثلك غافر الإثم؟" لا يوجد ملك ولا إنسان عادي يغفر مثل الله. في هذا تسمو جدًا جدًا أفكاره عن أفكارنا، وطرقه عن طرقنا. في هذا نرى أنه إله لا إنسان.

(6)               وكل الذين اختبروا الرحمة الغافرة لا يمكن إلا أن يعجبوا بهذه الرحمة. إن عرفنا القليل عنها وقفنا مذهولين أمامها. إن كان الله قد غفر آثامنا حق علينا أن نقول "من هو إله مثلك"؟ إن إعجابنا بالرحمة الغافرة دليل طيب على انتفاعنا بها.

إن غفر الله الخطية التي ارتكبناها، فإنه يُخضع الخطية الساكنة فينا. وهنا لا يمكن لغيره أن يغفر. وكل الذين غُفرت خطاياهم يرغبون بإلحاح ويرجون إماتة رجاساتهم، وإخضاع آثامهم، وينعشون نفوسهم بهذه الآمال. إذا ما تركنا  لأنفسنا تعذر علينا إخضاع آثامنا. لكننا نثق بأن نعمة الله تكفينا لإخضاعها لكي لا تسودنا، ولا تسبب هلاكنا.

 

 



[1]  فضلات الحصاد

[2]  لكي يفعلوا الشر باليدين باجتهاد حسب الترجمة الإنكليزية

[3]  "يشبكونها" حسب هامش ترجمة بيروت، "يفسدونها" حسب الترجمة الإنكليزية

[4]  "والمستقيم منهم كشوك السياج" حسب ترجمة اليسوعيين، "وأعدلهم شر من سياج الشوك" حسب هامش ترجمة بيروت، "وأعدلهم أحد من السياج الشائك" حسب الترجمة الإنكليزية.

[5]  "قد وافى يوم رقبائك وافتقادك" حسب ترجمة اليسوعيين والترجمة الإنكليزية.

[6]  "قائد أو مرشد" حسب الترجمة الإنكليزية.

[7] "أما أنا فأنتظر الرب" حسب ترجمة اليسوعيين، "لذلك أتطلع إلى الرب" حسب الترجمة الإنكليزية.

[8]  "يتجاوز عن أو يغض الطرف عن" حسب الترجمة الإنكليزية.

 

قراءة مشابهة -عرضناها قبلاً- من سفر أرميا

 

*****

 

أخيراً، يهمنا أن نستطلع رأيك في الأمر التالي

 

هل تعتقد أن موجة من الظلمة والضيق والاضطهاد آتية على شعب مصر وبالأخص "المسيحي"، قريباً؟

 

 إن كانت إجابتك بـ"نعم"، نرجو منك الإجابة على السؤال التالي:

 ماذا تعتقد سيكون شكل هذا الضيق أو الاضطهاد (سجل كل ما تتصوره)؟ وماذا تعتقد يمكنك فعله؟

 

ارسل إجابتك الآن على البريد الإلكتروني

 أو أجب عن طريق صفحتنا على الفيسبوك

 أو من خلال التعليقات بنهاية هذه الصفحة

 

*****

 

ومرة أخرى للمهتم، اقترح المواد التالية، التي اقترحتها في رسالتي السابقة، عما نعيشه في هذه الأيام

  السعي وراء الله

 لماذا لا أجد الله؟

 

ولا نحتاج، فعلاً، إلا لدراسة الكتاب المقدس (لا مجرد قراءته) لكي نفهم حقيقة ما يقوله الله.

 

للمزيد في هذه قضية "سيادة الله وتحكمه في كل ما يحدث في الأرض"، أشير إلى الجزئين التاليين:

 عن سيادة الله

 عن سيادة الله -2

 

 ومرة أخرى، للمهتمين بمعرفة المزيد عن السواد والظلام الروحي الذي نعيش فيه حالياً، أوصي بالاستماع إلى الرسالة الخاصة جداً التي قدمها د. سامي فوزي الشهر الماضي (والتي أراها أنا شخصياً كرسالة نبوية) تحت عنوان:

"نبوة المسيح (متى 24: 6-13) قد تحققت في كنيسة مصر: "يعثر كثيرون.. يضل كثيرين.. ولكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين"

 

و "من له أذنان للسمع فليسمع."